الحقيقة ، بسبب استحواذ الشيطان عليهم ، واتباعهم للأهواء الزائفة ، والتقاليد الفاسدة.
ثم حرضهم ـ سبحانه ـ على الاستمرار في اتباع توجيهات هذا الدين القيم فقال : (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ).
قال القرطبي : وفي أصل الإنابة قولان : أحدهما : أنه القطع. ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع ، فكأن الإنابة هي الانقطاع إلى الله ـ عزوجل ـ بالطاعة. والثاني : أن أصله الرجوع ، مأخوذ من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد أخرى ، ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة ، ولفظ (مُنِيبِينَ) منصوب على الحال (١).
والمعنى : أقيموا وجوهكم ـ أيها الناس ـ لخالقكم وحده ، حالة كونكم راجعين إليه بالتوبة والطاعة ، ومقبلين إليه بالاستغفار والعبادة ، ومتقين له في كل أحوالكم ، ومداومين على إقامة الصلاة في أوقاتها بخشوع واطمئنان.
(وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) المبدلين لفطرة الله ـ تعالى ـ المتبعين لأهوائهم وشهواتهم.
وقوله (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) بدل مما قبله.
أى : ولا تكونوا من المشركين ، الذين اختلفوا في شأن دينهم اختلافات شتى على حسب أهوائهم ، وصاروا شيعا وفرقا وأحزابا متنازعة.
(كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) أى : كل حزب منهم صار مسرورا بما لديه من دين باطل ، وملة فاسدة ، وعقيدة زائفة ، وهذا الفرح بالباطل سببه جهلهم ، وانطماس بصائرهم عن الانقياد للحق.
ثم بين ـ سبحانه ـ أحوال الناس في السراء والضراء وعند ما يوسع الله ـ تعالى ـ في أرزاقهم ، وعند ما يضيق عليهم هذه الأرزاق ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٣١.