لأن من كان ضاره كفره ، فقد أحاطت به كل مضرة» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ الفريق الثاني فقال : (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) أى : ومن عمل في دنياه عملا صالحا ، فإنه بسبب هذا العمل يكون قد مهد وسوى لنفسه مكانا مريحا يستقر فيه في الآخرة.
والمهاد : الفراش. ومنه مهاد الصبى أى فراشه. ويقال مهدت الفراش مهدا ، أى : بسطته ووطأته. ومهدت الأمور. أى : سويتها وأصلحتها.
فالجملة الكريمة تصوير بديع للثمار الطيبة التي تترتب على العمل الصالح في الدنيا ، حتى لكأن من يعمل هذا العمل ، يعد لنفسه في الآخرة مكانا معبدا ، ومضجعا هنيئا ، ينزل فيه وهو في أعلى درجات الراحة والنعيم :
قال ابن جرير : قوله ـ تعالى ـ (فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) أى : فلأنفسهم يستعدون ، ويسوون المضجع ، ليسلموا من عقاب ربهم ، وينجوا من عذابه ، كما قال الشاعر :
أمهد لنفسك ، حان السقم والتلف |
|
ولا تضيعن نفسا مالها خلف (٢) |
ثم بين ـ سبحانه ـ ما اقتضته حكمته وعدالته فقال : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ ، إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ).
أى : فعل ما فعل ـ سبحانه ـ من تقسيم الناس إلى فريقين ، ليجزي الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحات ، الجزاء الحسن الذي يستحقونه ، وليعطيهم العطاء الجزيل من فضله ، لأنه بحبهم ، أما الكافرون ، فإنه ـ سبحانه ـ لا يحبهم ولا يرضى عنهم.
ثم تعود السورة الكريمة إلى الحديث عن آيات الله ـ تعالى ـ الدالة على قدرته ، وعن مظاهر فضله على الناس ورحمته بهم ، وعن الموقف الجحودى الذي وقفه بعضهم من هذه النعم .. قال ـ تعالى ـ :
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٤٨٣.
(٢) تفسير ابن جرير ج ٢١ ص ٣٣.