هود. وظروف هذه البشارة وملابساتها ، تختلف عن الظروف والملابسات التي وردت هنا في سورة الصافات ، وقد أشار إلى ذلك الإمام السيوطي فقال :
وتأملت القرآن فوجدت فيه ما يقتضى القطع ـ أو ما يقرب منه ـ على أن الذبيح إسماعيل ، وذلك لأن البشارة وقعت مرتين :
مرة في قوله ـ تعالى ـ (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ. فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ. فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ...).
فهذه الآية قاطعة في أن المبشر به هو الذبيح.
ومرة في قوله ـ في سورة هود ـ : (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ).
فقد صرح فيها بأن المبشر به إسحاق ، ولم يكن بسؤال من إبراهيم ، بل قالت امرأته إنها عجوز ، وأنه شيخ ، وكان ذلك في بلاد الشام ، لما جاءت الملائكة إليه ، بسبب قوم لوط ، وكان إبراهيم في آخر عمره.
أما البشارة الأولى فكانت حين انتقل من العراق إلى الشام ، وحين كان سنه لا يستغرب فيه الولد ، ولذلك سأله ، فعلمنا بذلك أنهما بشارتان في وقتين بغلامين ، أحدهما بغير سؤال ، وهو إسحاق ، والثانية قبل ذلك بسؤال وهو غيره ، فقطعنا بأنه إسماعيل وهو الذبيح (١).
ج ـ أن القول بأن الذبيح إسماعيل قد ورد ـ كما قال الإمام ابن القيم ـ عن كثير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وأما القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجها.
ثم قال الإمام ابن القيم : وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمهالله ـ يقول : هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكتاب ، مع أنه باطل بنص كتابهم فإن فيه : إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه «بكره» وفي لفظ «وحيده» ، ولا يشك أهل الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاد إبراهيم (٢).
ومن العلماء الذين فصلوا القول في هذه المسألة ، الإمام ابن كثير ، فقد قال رحمهالله : «وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق ، وحكى ذلك عن طائفة من السلف ، حتى نقل عن بعض الصحابة ـ أيضا ـ وليس ذلك في كتاب ولا سنة ، وما أظن ذلك تلقّى إلا عن أحبار أهل الكتاب ، وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل ، فإنه
__________________
(١) راجع تفسير القاسمى ج ١٤ ص ٥٠٥٧.
(٢) راجع تفسير القاسمى ج ١٤ ص ٥٠٥٣.