ذكر البشارة بالغلام الحليم ، وذكر أنه الذبيح ، ثم قال بعد ذلك : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ).
ولما بشرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) وقال ـ تعالى ـ : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) أى : يولد له في حياتهما ولد يسمى يعقوب ، فيكون من ذريته عقب ونسل.
وقد قدمنا أنه لا يجوز بعد ذلك أن يؤمر بذبحه وهو صغير ، لأن الله قد وعدهما بأنه سيعقب ، ويكون له نسل ، فكيف يمكن بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيرا ، وإسماعيل وصف هنا بالحلم ، لأنه مناسب لهذا المقام» (١).
قال الآلوسى ـ رحمهالله ـ بعد أن ساق أقوال العلماء في ذلك بالتفصيل : «والذي أميل إليه أنه ـ أى الذبيح ـ إسماعيل ـ عليهالسلام ـ ، بناء على أن ظاهر الآية يقتضيه ، وأنه المروي عن كثير من أئمة أهل البيت ، ولم أتيقن صحة حديث مرفوع يقتضى خلاف ذلك ، وحال أهل الكتاب لا يخفى على ذوى الألباب» (٢).
هذه بعض الأحكام والآداب التي يمكن أن نأخذها من هذه القصة ، التي حكاها ـ سبحانه ـ عن نبيه إبراهيم ـ عليهالسلام ـ في هذه السورة الكريمة ، وهناك أحكام وآداب أخرى يستطيع أن يستخلصها المتدبر في هذه الآيات الكريمة.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ جانبا من قصة موسى وهارون ـ عليهماالسلام ـ وهما من ذرية إبراهيم وإسحاق ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٣.
(٢) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ١٣٦.