نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠) فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣) وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (١٧٠)
وقوله ـ تعالى ـ (فَاسْتَفْتِهِمْ ..) معطوف على قوله ـ تعالى ـ في أوائل السورة : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا ..) عطف جملة على جملة. والخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم والاستفتاء : الاستخبار والاستفهام وطلب الفتيا من المفتي.
أى : أسأل ـ أيها الرسول ـ هؤلاء المشركين سؤال تقريع وتأنيب : (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) أى : أسألهم بأى وجه من وجوه القسمة جعلوا لربك البنات وجعلوا لأنفسهم البنين؟ إن قسمتهم هذه لهى قسمة جائرة وفاسدة عند كل عاقل ، لأنه لا يليق في أى عقل أن يجعلوا لله ـ تعالى ـ الجنس الأدنى وهو جنس الإناث ، بينما يجعلون لأنفسهم الجنس الأعلى.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى. تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) (١).
قال صاحب الكشاف : (فَاسْتَفْتِهِمْ) معطوف على مثله في أول السورة ، وإن تباعدت بينهما المسافة ، أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم باستفتاء قريش عن وجه إنكارهم البعث أولا. ثم ساق الكلام موصولا بعضه ببعض ، ثم أمره باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى التي قسموها ، حيث جعلوا لله الإناث ولأنفسهم الذكور ، في قولهم الملائكة بنات الله ، مع كراهتهم الشديدة لهن. ولقد ارتكبوا في ذلك ثلاثة أنواع من الكفر :
أحدها : التجسيم ، لأن الولادة مختصة بالأجسام.
__________________
(١) سورة النجم الآيتان ٢١ ، ٢٢.