من قولك : فتن فلان على فلان امرأته ، كما تقول : أفسدها وخيبها عليه .. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن الملائكة معترفون اعترافا تاما بطاعتهم لله ـ تعالى ـ وبمداومتهم على عبادته وتسبيحه فقال : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ. وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ. وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ).
أى : لقد اعترف الملائكة بطاعتهم الكاملة لله ـ تعالى ـ وقالوا : وما منا أحد إلا له مقام معلوم في عبادة الله ـ تعالى ـ وطاعته ، وإنا لنحن الصافون أنفسنا في مواقف العبودية والطاعة لله ـ عزوجل ـ وإنا لنحن المسبحون والمنزهون له ـ تعالى ـ عن كل مالا يليق به.
وقد ذكر الإمام ابن كثير هنا جملة من الأحاديث منها أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال يوما لجلسائه : «أطّت السماء وحق لها أن تئط ـ أى سمع لها صوت شديد ـ ليس فيها موضع قدم إلا عليه ملك راكع أو ساجد ، ثم قرأ : (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ : وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) (٢).
ثم أخبر ـ سبحانه ـ عن حال المشركين قبل أن يأتيهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ. لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ. فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).
و «إن» في قوله (وَإِنْ كانُوا ..) هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير محذوف.
والقائلون هم كفار مكة ، والفاء في قوله (فَكَفَرُوا بِهِ) وهي الفصيحة الدالة على محذوف مقدر.
والمعنى إن حال هؤلاء الكافرين وشأنهم ، أنهم كانوا يقولون قبل مجيء الرسول صلىاللهعليهوسلم إليهم «لو أن عندنا ذكرا من الأولين» أى : لو أن عندنا كتابا من كتب الأولين كالتوراة والإنجيل. لكنا عباد الله المخلصين أى : لكنا بسبب وجود هذا الكتاب من عباد الله الذين يخلصون له العبادة والطاعة.
فجاءهم محمد صلىاللهعليهوسلم بالكتاب المبين كما تمنوا وطلبوا ، فكانت النتيجة أن كفروا به ، فسوف يعلمون سوء عاقبة هذا الكفر ، (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ، وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٣).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٥.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٨.
(٣) سورة العنكبوت الآية ٥٥.