الكتاب من بينهم ، كما قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) وهذا الإنكار ترجمة عما كانت تغلى به صدورهم من الحسد على ما أوتى من شرف النبوة من بينهم. (١).
ولقد حكى القرآن أحقادهم هذه على النبي صلىاللهعليهوسلم في آيات كثيرة ورد عليها بما يبطلها ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ، اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ...) (٢).
ولقد صرح أبو جهل بهذا الحسد للنبي صلىاللهعليهوسلم فعند ما سأله سائل ، أتظن محمدا على حق أم على باطل؟ كان جوابه : إن محمدا لعلى حق ولكن متى كنا لبنى هاشم تبعا. أى : متى كانت أسرتنا تابعة لبنى هاشم!!.
وفي رواية أنه قال : تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف : أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تحاذينا على الركب ، وكنا كفرسي رهان ، قالوا : منا نبي يأتيه الوحى من السماء ، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه.
وقوله ـ سبحانه ـ : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) إضراب عن كلام يفهم من السياق. وتسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه منهم من أذى.
أى : هؤلاء الجاحدون الحاقدون لم يقطعوا برأى في شأنك ـ أيها الرسول الكريم ـ وفي شأن ما جئتهم به ، ولم يستندوا في أقوالهم إلى دليل أو ما يشبه الدليل ، وإنما هم في شك من هذا القرآن الذي أيدناك به ، بدليل أنك تراهم يصفونك تارة بالسحر ، وتارة بالكهانة ، وتارة بالشعر ، ولو عقلوا وأنصفوا لآمنوا بك وصدقوك.
وقوله ـ سبحانه ـ : (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) إضراب عن مجموع الكلامين السابقين المشتملين على الحسد والشك.
أى : لا تحزن ـ أيها الرسول الكريم ـ من مسالكهم الخبيثة ، وأقوالهم الفاسدة. فإنهم ما فعلوا ذلك إلا لأنهم لم يذوقوا عذابي بعد ، فإذا ذا قوة زال حسدهم وشكهم ، وتيقنوا بأنك على الحق المبين ، وهم على الباطل الذي لا يحوم حوله حق.
وفي التعبير بقوله (لَمَّا) إشارة إلى أن نزول العذاب بهم وتذوقهم له ، قريب الحصول.
ثم أنكر عليهم ـ سبحانه ـ بعد ذلك اعتراضهم على اختيار نبيه صلىاللهعليهوسلم للرسالة ، وساق هذا الإنكار بأسلوب توبيخي تهكمى فقال ـ تعالى ـ : (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٤.
(٢) سورة الأنعام الآية ١٢٤.