والخير : يطلق كثيرا على المال الوفير ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ). والمراد به هنا : الخيل الصافنة الجيدة ، والعرب تسمى الخيل خيرا ، لتعلق الخير بها ، روى البخاري عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة».
و (عَنْ) هنا تعليلية. والمراد ب (ذِكْرِ رَبِّي) طاعته وعبادته والضمير في قوله (حَتَّى تَوارَتْ) يعود إلى الخيل الصافنات الجياد ، والمراد بالحجاب : ظلام الليل الذي يحجب الرؤية.
والمعنى : فقال سليمان وهو يستعرض الخيل أو بعد استعراضه لها : إنى أحببت استعراض الصافنات الجياد ، وأحببت تدريبها وإعدادها للجهاد ، من أجل ذكر ربي وطاعته وإعلاء كلمته ، ونصرة دينه ، وقد بقيت حريصا على استعراضها وإعدادها للقتال في سبيل الله ، حتى توارت واختفت عن نظري بسبب حلول الظلام الذي يحجب الرؤية (رُدُّوها عَلَيَ) أى : قال سليمان لجنده ردوا الصافنات الجياد علىّ مرة أخرى ، لأزداد معرفة بها ، وفهما لأحوالها ..
والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) فصيحة تدل على كلام محذوف يفهم من السياق. و «طفق» فعل من أفعال الشروع يرفع الاسم وينصب الخبر ، واسمه ضمير يعود على سليمان. و «مسحا» مفعول مطلق لفعل محذوف. والسوق والأعناق : جمع ساق وعنق.
أى : قال سليمان لجنده : ردوا الصافنات الجياد علىّ ، فردوها عليه ، فأخذ في مسح سيقانها وأعناقها إعجابا بها ، وسرورا بما هي عليه من قوة هو في حاجة إليها للجهاد في سبيل الله ـ تعالى ـ.
هذا هو التفسير الذي تطمئن إليه نفوسنا لهذه الآيات ، لخلوه من كل ما يتنافى مع سمو منزلة الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ.
ولكن كثيرا من المفسرين نهجوا نهجا آخر ، معتمدين على قصة ملخصها : أن سليمان ـ عليهالسلام ـ جلس يوما يستعرض خيلا له ، حتى غابت الشمس دون أن يصلى العصر ، فحزن لذلك وأمر بإحضار الخيل التي شغله استعراضها عن الصلاة ، فأخذ في ضرب سوقها وأعناقها بالسيف ، قربة لله ـ تعالى ـ.
فهم يرون أن الضمير في قوله ـ تعالى ـ (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) يعود إلى الشمس. أى : حتى استترت الشمس بما يحجبها عن الأبصار.
وأن المراد بقوله ـ تعالى ـ (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) الشروع في ضرب