الريح تجرى بأمر سليمان ، فهي تارة تكون لينة وتارة تكون عاصفة ، وفي كلتا الحالتين هي تسير بأمره ورغبته.
وقوله : (وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) معطوف على الريح أي : سخرنا له الريح تجرى بأمره .. وسخرنا له الشياطين. بأن جعلناهم منقادين لطاعته ، فمنهم من يقوم ببناء المبانى العظيمة التي يطلبها سليمان منهم. ومنهم الغواصون الذين يغوصون في البحار ليستخرجوا له منها اللؤلؤ والمرجان ، وغير ذلك من الكنوز التي اشتملت عليها البحار.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) معطوف على كل بناء ، داخل معه في حكم البدل من الشياطين.
أى : أن الشياطين المسخرين لسليمان كان منهم البناءون ، وكان منهم الغواصون ، وكان منهم المقيدون بالسلاسل والأغلال ، لتمردهم وكثرة شرورهم.
فمعنى «مقرنين» : مقرونا بعضهم ببعض بالأغلال والقيود. والأصفاد : جمع صفد وهو ما يوثق به الأسير من قيد وغلّ.
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه أباح لسليمان ـ عليهالسلام ـ أن يتصرف في هذا الملك الواسع كما يشاء فقال : (هذا عَطاؤُنا) أى : منحنا هذا الملك العظيم لعبدنا سليمان ـ عليهالسلام ـ وقلنا له : هذا عطاؤنا لك (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) أى : فأعط من شئت منه. وأمسك عمن شئت. فأنت غير محاسب منا لا على العطاء ولا على المنع.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما أعده لسليمان ـ عليهالسلام ـ في الآخرة ، فقال : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا) أى في الآخرة (لَزُلْفى) لقربى وكرامة (وَحُسْنَ مَآبٍ) أى : وحسن مرجع إلينا يوم القيامة.
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن أيوب ـ عليهالسلام ـ فذكرت نداءه لربه ، واستجابة الله ـ تعالى ـ له وما وهبه من نعم جزاء صبره ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٤٣)