أى : إنا وجدنا عبدنا أيوب صابرا على ما أصبناه به من بلاء ، ونعم العبد هو. إنه كثير الرجوع إلينا في كل أحواله.
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ساقت لنا جانبا من فضائل أيوب ـ عليهالسلام ـ ومن النعم التي أنعم الله ـ تعالى ـ بها عليه جزاء صبره وطاعته لربه.
وبعد أن عرض ـ سبحانه ـ قصص داود وسليمان وأيوب بشيء من التفصيل. أتبع ذلك بالحديث عن عدد من الأنبياء على سبيل الإجمال ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ) (٤٨)
أى : واذكر ـ أيها الرسول الكريم ـ حال عبادنا إبراهيم وإسحاق ، ويعقوب. أصحاب القوة في الطاعة ، وأصحاب البصيرة المشرقة الواعية في أمور الدين.
فالأيدى مجاز مرسل عن القوة ، والأبصار جمع بصر بمعنى بصيرة على سبيل المجاز ـ أيضا ـ ويصح أن يكون المراد بقوله : (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) أى : أصحاب الأعمال الجليلة ، والعلوم الشريفة ، فيكون ذكر الأيدى من باب ذكر السبب وإرادة المسبب ، والأبصار بمعنى البصائر ، لأن عن طريقها تكون العلوم النافعة.
قال صاحب الكشاف : قوله : (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) يريد : أولى الأعمال والفكر ، كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة ، ولا يجاهدون في الله ، ولا يفكرون أفكار ذوى الديانات ، ولا يستبصرون ، كأن هؤلاء في حكم الزمنى ـ أى المرضى ـ الذين لا يقدرون على إعمال جوارحهم. والمسلوبى العقول الذين لا استبصار بهم. وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله ، ولا من المستبصرين في دين الله ، وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل ، مع كونهم متمكنين منهما (١) ..
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٩٩.