الكافرين وسوء مصيرهم ـ كما هي عادة القرآن الكريم في قرن الترغيب بالترهيب فقال ـ تعالى ـ : (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ).
واسم الإشارة خبر لمبتدأ محذوف. أى الأمر هذا ، أو مبتدأ محذوف الخبر أى : هذا للمؤمنين.
وجملة «وإن للطاغين لشر مآب» معطوفة على جملة «هذا» على التقديرين.
أى : الأمر كما ذكرنا لك ـ أيها الرسول الكريم ـ بالنسبة للمتقين ، أما الطاغون الذين تجاوزوا الحدود في الكفر والجحود والإعراض عن الحق ، فإن مرجعهم إلينا سيكون شر مرجع ، بسبب إصرارهم على كفرهم.
(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ) أى : إذا كان المتقون يدخلون الجنات التي فتحت لهم أبوابها ، فإن الطاغين تستقبلهم جهنم بسعيرها ولهيبها فيلقون فيها ويفترشون نارها ، وبئست هي فراشا ومهادا.
(هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) واسم الإشارة هنا مرفوع على الابتداء ، وخبره قوله (حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) ، وما بينهما اعتراض.
والحميم : الماء الذي بلغ النهاية في الحرارة. والغساق : صديد يسيل من أجساد أهل النار. مأخوذ من قولهم غسق الجرح ـ كضرب وسمع ـ غسقانا إذا سال منه الصديد وما يشبهه. أى : هذا هو عذابنا الذي أعددناه لهم ، يتمثل في ماء بلغ الغاية في الحرارة ، وفي قيح وصديد يسيلان من أجسادهم ، فليذوقوا كل ذلك جزاء كفرهم وجحودهم.
(وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) أى : ليس عذابهم مقصورا على الحميم والغساق بل لهم أنواع أخرى من العذاب ، تشبه في شكلها وفي فظاعتها وفي شدتها ، الحميم والغساق.
فقوله (وَآخَرُ) مبتدأ ، وقوله (مِنْ شَكْلِهِ) صفته ، وقوله : (أَزْواجٌ) خبره.
والآية الكريمة معطوفة على الآية التي قبلها.
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما يقوله أهل النار بعضهم لبعض على سبيل الندم والتحسر والتقريع. فقال : (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ ، لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ).
والفوج : الجمع الكثير من الناس ، والاقتحام : ركوب الشدة والدخول فيها. يقال : قحم فلان نفسه في الأمر ، إذا رمى نفسه فيه من غير روية.
أى : قال الكفار بعضهم لبعض بعد أن رأوا غيرهم يلقى في النار معهم ، أو قالت الملائكة لهم على سبيل التقريع والتأنيب : (هذا فَوْجٌ) أى جمع كثير من أتباعكم وإخوانكم في