يَخْتَصِمُونَ). والمراد بالملإ الأعلى : عالم السموات وما فيه من ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون.
قال القرطبي : الملأ الأعلى هم الملائكة في قول ابن عباس والسدى. اختصموا في أمر آدم حين خلق ، فقالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ..) وقال إبليس : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).
وفي هذا بيان أن محمدا صلىاللهعليهوسلم أخبر عن قصة آدم وغيره وذلك لا يتصور إلا بتأييد إلهى ...» (١).
وقال ابن كثير : وقوله : (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) أى : لو لا الوحى من أين كنت أدرى باختلاف الملأ الأعلى. يعنى في شأن آدم ، وامتناع إبليس من السجود له ، ومحاجته ربه في تفضيله عليه ..؟» (٢). فالآية تنفى عن الرسول صلىاللهعليهوسلم علم شيء من أخبار الملأ الأعلى إلا عن طريق الوحى.
وجملة «إن يوحى إلى إلا أنما أنا نذير مبين» معترضة بين إيراد اختصامهم على سبيل الإجمال ، ثم إيراده في الآيات الآتية بعد ذلك على سبيل التفصيل.
و «إن» نافية. ونائب فاعل «يوحى» ضمير تقديره هو يعود على المفهوم مما سبق. وهو شأن الملأ الأعلى ، و «أنما» بفتح الهمزة على تقدير لام التعليل.
أى : ليس لي من علم بما يدور في الملأ الأعلى إلا عن طريق الوحى ، وهذا الوحى لا ينزل على إلا من أجل أنى رسول من عند الله ـ تعالى ـ أنذركم بما يكلفني به إنذارا واضحا بينا.
ثم فصل ـ سبحانه ـ هذا التخاصم الذي أشار إليه ـ سبحانه ـ قبل ذلك في قوله : (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) ، فقال : (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ).
و «إذ» في قوله (إِذْ قالَ رَبُّكَ ...) بدل من قوله (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) ، لاشتمال ما في حيزها على تفصيل تلك الخصومة. وقيل : هي منصوبة بتقدير اذكر.
قالوا : والمراد بالملائكة هنا ، ما يشمل إبليس ، بدليل أن الأمر بالسجود لآدم كان للجميع ، وأنهم جميعا امتثلوا لأمر الله ـ تعالى ـ ما عدا إبليس.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٥ ص ٢٢٦.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٧٠.