وبذلك ترى هذه الآية الكريمة قد أقامت الأدلة المتعددة على وحدانية الله ـ تعالى ـ وعلى كمال قدرته ، وعلى أن من شكر الله ـ تعالى ـ على نعمه ، فإن عاقبة هذا الشكر تعود على الشاكر بالخير الجزيل ، أما من جحد نعم الله ـ تعالى ـ وأشرك معه في العبادة غيره ، فإن عاقبة هذا الجحود ، تعود على الجاحد بالشر الوبيل ، وبالشقاء في الدنيا والآخرة.
وبعد أن أقام ـ سبحانه ـ الأدلة المتعددة على وحدانيته وكمال قدرته ، أتبع ذلك بالحديث عن طبيعة الإنسان في حالتي السراء والضراء ، ونفى ـ سبحانه ـ المساواة بين المؤمنين والكافرين ، والعلماء والجهلاء فقال ـ تعالى ـ :
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٩)
والمراد بالإنسان هنا : الكافر ، بدليل قوله ـ تعالى ـ (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ).
والمراد بالضر : ما يصيب الإنسان من مصائب في نفسه أو ماله أو أهله.
أى : وإذا نزل بالإنسان ضر من مرض أو غيره من المكاره (دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) أي : أسرع إلى الله ـ تعالى ـ بالدعاء والإنابة والتضرع ، وترك الآلهة التي كان يدعوها في حالة الرخاء.
كما قال ـ تعالى ـ : (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ).
وقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ ..) بيان لحالة هذا الإنسان بعد أن كشف الله ـ تعالى ـ عنه الضر.