وقوله ـ تعالى ـ : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ ...) بيان لحسن عاقبة المؤمنين ، بعد بيان سوء عاقبة من حقت عليهم كلمة العذاب ..
والغرف جمع غرفة ، وتطلق على الحجرة التي تكون مرتفعة عن الأرض.
أى : هذا حال الذين حقت عليهم كلمة العذاب ، أما حال الذين اتقوا ربهم فيختلف اختلافا تاما عن غيرهم ، فإن الله ـ تعالى ـ قد أعد لهم ـ على سبيل التكريم والتشريف ـ غرفا من فوقها غرف أخرى مبنية ..
ووصفت بذلك للإشارة إلى أنها معدة ومهيأة لنزولهم فيها ، قبل أن يقدموا عليها ، زيادة في تكريمهم وحسن لقائهم.
وهذه الغرف جميعها «تجرى من تحتها الأنهار» ليكون ذلك أدعى إلى زيادة سرورهم.
وقوله ـ تعالى ـ (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) تذييل مؤكد لمضمون ما قبله من كون المتقين لهم تلك الغرف المبنية. ولفظ «وعد» مصدر منصوب بفعل مقدر.
أى : وعدهم ـ تعالى ـ بذلك وعدا لا يخلفه ، لأنه ـ سبحانه ـ ليس من شأنه أن يخلف الموعد الذي يعده لعباده.
وقد ذكر الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية بعض الأحاديث ، منها ما رواه الإمام أحمد عن أبى مالك الأشعرى ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله لمن أطعم الطعام ، وألان الكلام ، وتابع الصيام ، وصلّى والناس نيام» (١).
وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة قد بشرت المتقين بأحسن البشارات وأكرمها ، وتوعدت المصرين على كفرهم وفجورهم باستحالة إنقاذهم من عذاب النار.
ثم ضرب ـ سبحانه ـ مثلا لسرعة زوال الحياة الدنيا ، وقرب اضمحلال بهجتها. كما بين حال من شرح الله صدره للإسلام فقال ـ تعالى ـ :.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٨١.