وقال صاحب الكشاف ما ملخصه : وقوله : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ..) إنما تمنى علم قومه بحاله ، ليكون علمهم بها سببا لاكتساب مثلها لأنفسهم ، بالتوبة عن الكفر ، والدخول في الإيمان .. وفي حديث مرفوع : «نصح قومه حيا وميتا».
وفيه تنبيه عظيم على وجوب كظم الغيظ والحلم عن أهل الجهل والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي ، والتشمر في تخليصه ، والتلطف في افتدائه ، والاشتغال بذلك عن الشماتة به ، والدعاء عليه ، ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته ، وللباغين له الغوائل وهم كفرة وعبدة أصنام .. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما نزل بأصحاب القرية من عذاب أهلكهم فقال : (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ) : أى : من بعد موته.
(مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) لأنهم كانوا أحقر وأهون من أن نفعل معهم ذلك.
(وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) أى : وما صح وما استقام في حكمتنا أن ننزل عليهم جندا من السماء ، لهوان شأنهم ، وهوان قدرهم.
(إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) أى : ما كانت عقوبتنا لهم إلا صيحة واحدة صاحها بهم جبريل بأمرنا.
(فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) أى : هامدون ميتون ، شأنهم في ذلك كشأن النار التي أصابها الخمود والانطفاء ، بعد أن كانت مشتعلة ملتهبة ، يقال. خمدت النار تخمد خمودا. إذا سكن لهيبها ، وانطفأ شررها ، وخمد الرجل ـ كقعد ـ إذا مات وانقطعت أنفاسه.
وهكذا كانت نهاية الذين كذبوا المرسلين ، وقتلوا المصلحين ، فقد نزلت بهم عقوبة الله ـ تعالى ـ فجعلتهم في ديارهم جاثمين.
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ سوء مصارع المكذبين ، أتبع ذلك بدعوة الناس إلى الاتعاظ بذلك من قبل فوات الأوان ، فقال ـ تعالى ـ : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).
والحسرة : الغم والحزن على ما فات ، والندم عليه ندما لا نفع من ورائه ، كأن المتحسر قد انحسرت عنه قواه وذهبت ، وصار في غير استطاعته إرجاعها.
و «يا» حرف نداء. و «حسرة» منادى ونداؤها على المجاز بتنزيلها منزلة العقلاء.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١١.