والمقصود من هذا كله أن الكفار يسألون الرجعة وهم وقوف بين يدي الله ، كما قال ـ تعالى ـ (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن تذللهم هذا لن يجديهم ، وأن ما هم فيه من عذاب سببه إعراضهم عن دعوة الحق في الدنيا ، فقال : (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ، وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ، فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ).
أى : ذلكم الذي نزل بكم من عذاب سببه ، أنكم كنتم في الدنيا إذا عبد الله ـ تعالى ـ وحده ، وطلب منكم ذلك كفرتم به ـ عزوجل ـ ، وإن يشرك به غيره من الأصنام أو غيرها آمنتم ، ومادام هذا حالكم في الدنيا ، فاخسئوا في النار ولا تؤملوا في الخروج منها ، بحال من الأحوال ، فالحكم لله وحده دون غيره ، وهو سبحانه الذي حكم عليكم بما حكم ..
وهو ـ سبحانه ـ (الْعَلِيِ) أى : المتعالي عن أن يكون له مماثل في ذاته أو صفاته (الْكَبِيرِ) أى : العظيم الذي هو أعظم وأكبر من أن يكون له شريك أو صاحبة أو ولد.
وجمع ـ سبحانه ـ لذاته بين هذين الوصفين للدلالة على كبريائه وعظمته.
ثم ساق ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما يدل على فضله ورحمته بعباده ، وعلى وحدانيته وكمال قدرته ، وعلى أن يوم القيامة آت لا ريب فيه ، وعلى أن كل نفس ستجازى في هذا اليوم بما كسبت بدون ظلم أو محاباة ، لأن القضاء فيه لله الواحد القهار. فقال ـ تعالى ـ :
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ١٢٢.