قلت : المعنى على إذا ، إلا أن الأمور المستقبلة لما كانت في أخبار الله ـ تعالى ـ متيقنة مقطوعا بها ، عبر عنها بلفظ ما كان ووجد. والمعنى على الاستقبال .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ) تبكيت وتأنيب لهم.
أى : ثم قيل بعد هذا العذاب المهين لهم : أين تلك الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله ، لكي تدفع عنكم شيئا من العذاب الأليم الذي نزل بكم؟.
وقوله (قالُوا ضَلُّوا عَنَّا ، بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً ...) حكاية لجوابهم الذي يدل على حسرتهم وبؤسهم.
أى : قالوا : ذهبوا وضاعوا وغابوا عنا ولم نعد نعرف لهم طريقا ، ولا هم يعرفون عنا طريقا ، ثم أضربوا عن هذا القول توهما منهم أن هذا الإضراب ينفعهم فقالوا : بل لم نكن نعبد من قبل في الدنيا شيئا يعتد به ، وإنما كانت عبادتنا لتلك الآلهة أوهاما وضلالا ..
وقوله ـ تعالى ـ : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ) أى مثل هذا الضلال البين والتخبط الواضح ، يضل الله ـ تعالى ـ الكافرين ، ويجعلهم يتخبطون في إجابتهم على السائلين لهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ الأسباب التي أدت بهم الى هذا العذاب المهين فقال : (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ، ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها ، فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) وقوله : (تَمْرَحُونَ) من المرح وهو التوسع في الفرح مع الأشر والبطر.
أى : ذلكم الذي نزل بكم من العذاب ، بسبب فرحكم وبطركم في الأرض بالباطل ، وبسبب مرحكم وأشركم وغروركم فيها.
وحق عليكم أن يقال لكم بسبب ذلك : ادخلوا أبواب جهنم المفتوحة أمامكم ، حالة كونكم خالدين فيها خلودا أبديا ، فبئس (مَثْوَى) أى : مكان (الْمُتَكَبِّرِينَ) عن قبول الحق جهنم.
وقال ـ سبحانه ـ (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) ولم يقل فبئس مدخل المتكبرين ، للإشارة إلى خلودهم في جهنم ، إذ الثواء معناه الإقامة الدائمة ، مأخوذ من ثوى فلان بالمكان إذا أقام به إقامة دائمة.
ثم ذكر الله ـ تعالى ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم الوصية بالصبر فقال : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ،
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٧٨.