فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ).
وقوله : (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) أصله : فإن نرك ، فزيدت «ما» لتوكيد «إن» الشرطية ، وجوابها محذوف ، وقوله (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) جوابه (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ).
والمعنى : إذا كان حال هؤلاء المشركين كما ذكرنا لك يا محمد ، فاصبر على جدالهم بالباطل ، إن وعد الله ـ تعالى ـ بتعذيبهم وبنصرك عليهم حق.
فإن نرك بعض الذي نعدهم به من القتل والأسر والهزيمة فبها ونعمت ، أو نتوفينك قبل ذلك فإلينا مرجعهم يوم القيامة ، فنجازيهم بما يستحقون من عقاب.
فالآية الكريمة تأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بمداومة الصبر ، وتحض على تبليغ ما أنزل إليه من ربه بدون كلل أو ملل ، ثم بعد ذلك يترك النتائج لله ـ تعالى ـ يسيرها كيف يشاء ، فإما أن يطلعه على ما توعد به أعداءه ، وإما أن يتوفاه قبل ذلك.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ، فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) (١).
ثم ساق ـ سبحانه ـ تسلية أخرى للرسول صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً ...) أى : رسلا كثيرين (مِنْ قَبْلِكَ) أى من قبل إرسالك إلى الناس.
(مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ) كنوح وهود وصالح وإبراهيم. وغيرهم.
(وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) أخبارهم وأحوالهم لأن حكمتنا قد اقتضت ذلك.
كما قال ـ تعالى ـ في آية أخرى : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ، وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (٢).
والمراد بالآية في قوله ـ تعالى ـ (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) المعجزة الخارقة الدالة على صدقه فيما يبلغه عن ربه.
أى : وما صح وما استقام لرسول من الرسل أن يأتى بمعجزة من عند نفسه ، وإنما يأتى بها بإذن الله ـ تعالى ـ ومشيئته ، إذ المعجزات جميعا عطايا من الله ـ تعالى ـ لرسله لتأييدهم في دعوتهم.
__________________
(١) سورة الرعد الآية ٤٠.
(٢) سورة النساء الآية ١٦٤.