ويخلط عليه القراءة ، فانظر إلى عظمة القرآن المجيد ، وتأمل في هذا التغليظ والتشديد ، واشهد لمن عظمه وأجل قدره ، وألقى إليه السمع وهو شهيد ، بالفوز العظيم .. (١).
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ ...) يعود إلى ما تقدم من العذاب الشديد المعد لهؤلاء الكافرين ، وهو مبتدأ ، وجملة (جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ) خبره.
وقوله (النَّارُ) بدل أو عطف بيان.
أى : ذلك العذاب الشديد الذي نذيقه للكافرين جزاء عادل لأعداء الله ، وهذا العذاب الشديد يتمثل في النار التي أعدها ـ سبحانه ـ لهم.
وجملة : (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) مؤكدة لما قبلها. أى : لهم في تلك النار الإقامة الدائمة الباقية المستمرة ، فهي بمثابة الدار المهيأة لسكنهم الدائم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) بيان لحكم الله العادل فيهم.
أى : نجازيهم جزاء أليما بسبب جحودهم لآياتنا الدالة على وحدانيتنا وعلى صدق رسلنا.
ثم صور ـ سبحانه ـ أحوالهم وهم يتقلبون في النار وحكى بعض أقوالهم التي يقولونها وهم في ذلك العذاب الأليم فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) على من أضلوهم.
(رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ...) أى : قالوا يا ربنا أطلعنا على الفريقين اللذين زينوا لنا الكفر والفسوق والعصيان من أفراد الجن والإنس (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) أى : أرنا إياهم لننتقم منهم ، بأن ندوسهما بأقدامنا احتقارا لهم ، وغضبا عليهم ، ليكونا بذلك في أسفل مكان من النار ، وفي أحقره وأكثرهم سعيرا. وهكذا تتحول الصداقة التي كانت بين الزعماء والأتباع في الدنيا ، إلى عداوة تجعل كل فريق يحتقر صاحبه ، ويتمنى له أسوأ العذاب.
وكعادة القرآن في المقارنة بين عاقبة الأشرار وعاقبة الأخيار ، جاء الحديث عن حسن عاقبة المؤمنين ، بعد الحديث عن سوء مصير الكافرين ، فقال ـ تعالى ـ :
(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ
__________________
(١) حاشية الجمل ج ٤ ص ٤١.