واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٥٤)
وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ ..) حكاية لموقف المشركين من الناصحين لهم ، وكيف أنهم صموا آذانهم عن سماع الآيات التنزيلية ، بعد صممهم عن التفكر في الآيات التكوينية.
أى : وإذا قال قائل لهؤلاء المشركين على سبيل النصح والإرشاد : (اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ) أى : احذروا ما تقدم من ذنوبكم وما تأخر ، وصونوا أنفسكم عن ارتكاب المعاصي التي ارتكبها الظالمون من قبلكم ، فأهلكوا بسببها وأبيدوا ، وآمنوا بالله ورسوله واعملوا العمل الصالح ، لعلكم بسبب ذلك تنالون الرحمة من الله ـ تعالى ـ.
وجواب «إذا» محذوف دل عليه ما بعده ، والتقدير : إذا قيل لهم ذلك أعرضوا عن الناصح ، واستخفوا به ، وتطاولوا عليه.
ويشهد لهذا الجواب المحذوف قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ).
و «من» الأولى مزيدة لتأكيد إعراضهم وصممهم عن سماع الحق ، والثانية للتبعيض.
أى : ولقد بلغ الجحود والجهل والعناد عند هؤلاء المشركين ، أنهم ما تأتيهم آية من الآيات التي تدل على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته ، وعلى أن الرسول صلىاللهعليهوسلم صادق في دعوته ، إلا كانوا عن كل ذلك معرضين إعراضا تاما ، شأنهم في ذلك شأن الجاحدين من قبلهم.
وأضاف ـ سبحانه ـ إليه الآيات التي أتتهم ، لتفخيم شأنها ، وبيان أنها آيات عظيمة ، كان من شأنهم ـ لو كانوا يعقلون ـ أن يتدبروها ، ويتبعوا من جاء بها.
ثم حكى ـ سبحانه ـ موقفا آخر ، من مواقفهم القبيحة ممن نصحهم وأرشدهم إلى الصواب ، فقال ـ تعالى ـ : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ، قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ ...).
وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية روايات منها : أن أبا بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ كان يطعم مساكين المسلمين ، فلقيه أبو جهل فقال له : يا أبا بكر : أتزعم أن الله قادر على إطعام هؤلاء؟.