الكاف ـ من التنكيس. وقرأه الباقون : (نُنَكِّسْهُ) ـ بفتح النون الأولى وضم الكاف ـ من نكست الشيء أنكسه نكسا إذا قلبته على رأسه فانتكس.
قال قتادة : المعنى : أنه يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا ... قال الشاعر :
من عاش أخلقت الأيام جدّته |
|
وخانه ثقتاه السمع والبصر |
فطول العمر يصير الشباب هرما ، والقوة ضعفا ، والزيادة نقصا .. وقد استعاذ النبي صلىاللهعليهوسلم من أن يرد إلى أرذل العمر ..» (١).
والمعنى : «ومن نطل عمره ننكسه في الخلق» أى : نرده إلى أرذل العمر ، فنجعله ـ بقدرتنا ـ ضعيفا بعد أن كان قويا ، وشيخا بعد أن كان شابا فتيا ، وناقص العقل بعد أن كان مكتمله ... (أَفَلا يَعْقِلُونَ) ذلك ـ أيها الناس ـ مع أنه من الأمور المشاهدة أمام أبصاركم ، وتعرفون أن من قدر على تحويل الإنسان من ضعف إلى قوة ، ومن قوة إلى ضعف .. قادر ـ أيضا ـ على إعادته إلى الحياة مرة أخرى بعد موته.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ، يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) (٣).
وبذلك نرى الآيات الكريمة ، قد هددت الكافرين بسوء المصير إذا استمروا في كفرهم ، وبينت جانبا من فضل الله ـ تعالى ـ عليهم ، لعلهم يفيئون إلى رشدهم ، ويشكرونه على نعمه.
ثم رد ـ سبحانه ـ على الكافرين الذين وصفوا النبي صلىاللهعليهوسلم بأنه شاعر ، كما قالوا عن القرآن أنه شعر ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) (٧٠)
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٥ ص ٥١.
(٢) سورة الروم آية ٥٤.
(٣) سورة النحل الآية ٧٠.