ولا شك أن قولهم هذا دليل واضح على انطماس بصائرهم ، وعلى شدة غفلتهم عن آثار قدرة الله ـ تعالى ـ التي لا يعجزها شيء. والتي من آثارها إيجادهم من العدم.
ولذا لقن الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم الجواب الذي يخرس ألسنتهم فقال : (قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ).
أى : قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ ستبعثون أنتم وآباؤكم الأقدمون ، وأنتم جميعا (داخِرُونَ) أى : صاغرون مستسلمون ، لا تستطيعون التأخر أو التردد .. يقال : دخر الشخص يدخر ـ بفتح الخاء ـ دخورا ، إذا ذل وصغر وهان.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن بعثهم من قبورهم إنما يقع بصيحة واحدة فقال : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ).
والزجرة واحدة من الزجر ، يقال : زجر الراعي غنمه إذا صاح عليها ، ومنعها من شيء معين. والضمير راجع إلى البعثة المدلول عليها بسياق الكلام ، والفاء : هي الفصيحة.
أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا. فإنما بعثهم من مرقدهم يكون بصيحة واحدة يصيحها إسرافيل فيهم بأمرنا ، فإذا هم قيام من قبورهم ينظرون إلى ما حولهم في ذهول ، وينتظرون في استسلام وذلة حكم الله ـ تعالى ـ فيهم.
والمراد بهذه الزجرة : النفخة الثانية التي يقوم بها إسرافيل بأمر الله ـ تعالى ـ كما قال ـ تعالى ـ : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (١).
والتعبير عن الصيحة بالزجرة للدلالة على شدتها وعنفها على هؤلاء المشركين ، وأنها قد أتتهم ممن لا يستطيعون معصية أمره.
ثم بين ـ سبحانه ـ أحوالهم بعد هذه الزجرة فقال : (وَقالُوا يا وَيْلَنا) أى : وقالوا بعد أن خرجوا من قبورهم في ذهول : (يا وَيْلَنا) أى : يا هلاكنا احضر فهذا أوان حضورك.
وقوله : (هذا يَوْمُ الدِّينِ) يصح أن يكون من كلام بعضهم مع بعض بعد أن رأوا أن ما كانوا ينكرونه ، قد أصبح حقيقة واقعة أمام أعينهم.
أى : قال بعضهم لبعضهم في ذعر وفزع : يا ويلنا هذا يوم الجزاء على الأعمال. الذي كنا ننكره في الدنيا ، قد أصبح حقيقة ماثلة أمام أعيننا.
__________________
(١) سورة الزمر الآية ٦٨.