يقوله هذا الرجل المؤمن لأصحابه الذين معه في الجنة ، وبعد أن انتهى من كلامه مع قرينه.
وهذا الكلام يقوله على سبيل التلذذ والتحدث بنعمة الله عليهم.
والاستفهام للتقرير ، والفاء للعطف على مقدر يستدعيه المقام ، والمعطوف عليه محذوف.
والمعنى : أنحن مخلدون في هذا النعيم ، ولن يلحقنا موت مرة أخرى بعد موتتنا الأولى التي لحقتنا في الدنيا ، ولن يصيبنا شيء من العذاب كما أصاب غيرنا؟
إننا لنشعر جميعا بأننا لن نموت مرة أخرى ، وسنبقى في هذا النعيم الدائم بفضل الله ورحمته.
وبعضهم يرى أن هذا السؤال من أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت.
قال القرطبي : قوله : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) : هو من قول أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت ، ويقال : «يا أهل الجنة خلود بلا موت ، ويا أهل النار خلود بلا موت» (١).
والإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) لما سبق الإخبار به من نفى الموت والعذاب عن أهل الجنة. وهذا القول ـ أيضا ـ حكاية لما يقوله ذلك المؤمن لمن معه في الجنة ، أى : إن هذا النعيم الدائم الذي نحن فيه ـ يا أهل الجنة ـ لهو الفوز العظيم ، الذي لا يدانيه فوز ، ولا يقاربه فلاح.
ثم يقول لهم ـ أيضا ـ : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) أى : لمثل هذا العطاء الجزيل ، والنعيم المقيم ، فليعمل العاملون ، لا لغير ذلك من الأعمال الدنيوية الزائلة الفانية.
ثم ساق ـ سبحانه ـ ما يدل على البون الشاسع. بين النعيم المقيم الذي يعيش فيه عباد الله المخلصون. وبين الشقاء الدائم الذي يعيش فيه الكافرون ، فقال ـ تعالى ـ :
(أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٥ ص ٨٤.