وهناك ملاحظة ينبغي الالتفات إليها في البحوث الأخلاقية وهي ، أنّ الفضائل الأخلاقية لا يمكن إكتسابها وتحصيلها من دون التوفيق الإلهي والامداد الربّاني ، فيجب الاستمداد من الله تعالى في سبيل تحصيل هذه الملكات الأخلاقية الفاضلة وغرسها وتنميتها في واقع الإنسان وروحه.
ونقرأ في حديث شريف عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «الأخلاقُ مَنائِحُ مِن اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإذا أَحَبَّ عَبداً مَنَحَهُ خُلُقاً حَسَناً وَإِذا أَبغَضَ عَبدَاً مَنَحَهُ خُلقاً سَيِّئاً» (١).
سيرة الأولياء :
ومن أفضل الطرق لكسب فضيلة حسن الخلق وملاحظة نتائجها الإيجابية على واقع الإنسان هو التحقيق في سيرة الأولياء العظام.
١ ـ نقرأ في حديث عن الإمام الحسين عليهالسلام أنّه قال : «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلىاللهعليهوآله دَائِمُ البُشر ، سَهلُ الخُلق ، لَينُ الجَانبِ ، لَيسَ بِفَظٍّ ولا غلِيظٍ ولا سَخّابٍ ، ولا فَحّاشٍ ، ولا عيّابٍ ، ولا مَدّاحٍ ، ولا يَتَغافَلُ عَمّا لا يَشتَهِي ، ولا يُؤيس مِنهُ ، قَد تَركَ نَفسَهُ مِنْ ثَلاث : كَانَ لا يَذُمُّ أَحداً ، ولا يُعيّرُه ، ولا يَطلُبُ عَورَتَهُ ، ولا يَتَكَلَّمُ إِلّا فَيما يَرجُو ثَوابَهُ ، إِذا تَكَلَّمَ أَرقَ جُلساؤُهُ كَأَنّما عَلى رُؤوسِهِم الطَّيرُ ، وإذا تَكَلَّمَ سَكَتُوا وإذا سَكَتَ تَكَلَّمُوا لا يُسارِعُون عِندَهُ بِالحَديثِ ، مَن تَكَلَّمَ نَصتُوا لَهُ حَتّى يَفرَغَ حَدِيثُهُم عِندَهُ حَديث إِلَيهم ، يَضحَكُ ممّا يَضحَكُونَ مِنهُ ، وَيَتَعَجَّبُ ممّا يَتَعَجَّبُونَ مِنهُ ، يُصبِّرُ الغريبَ عَلى الجَفوةِ فِي المنطِقِ ، وَيَقُولُ : (إِذا رَأَيتُم صاحِبَ الحَاجَة يَطلُبُها فَأَرفِدُهُ) ، ولا يَقبَلُ الثَّناءَ إلّا مِنْ مُكافيء ، ولا يَقطَعُ عَلَى أَحدٍ حَدِيثَهُ حَتّى يَجُوزَهُ فَيَقطَعُهُ بِانتهاء أَو قِيام» (٢).
٢ ـ ونقرأ في حالات الإمام علي عليهالسلام في الرواية المعروفة أنّ الإمام كان قاصداً الكوفة فصاحب رجلاً ذميّاً فقال له الذمّي : أين تريد يا عبد الله ، قال : اريد الكوفة ، فلما عدل الطريق
__________________
١ ـ بحار الانوار ، ج ٦٨ ، ص ٣٩٤ ، ح ٦٤.
٢ ـ جلالء الأفهام ، لابن قيم الجوزي ، ص ٩٢.