الحسّاسة في الحكومة والتي هي أهم أمانة إلهيّة بيدهم عند الأشخاص الذين يشم منهم رائحة الخيانة ، فإنّه عند ذلك سوف يفسد دينهم ودنياهم ويكونون مسؤولين أمام الله تعالى.
الأمانة والخيانة في بيت المال :
إنّ الأمانة خلق محمود ومطلوب في أي مكان ومورد ، ولكن بالنسبة إلى بيت المال ورءوس الأموال المادية والمعنوية المتعلّقة بالمجتمع لا بشخص معيّن فقد ورد التأكيد على الأمانة فيها بشكل خاص في النصوص الدينية ، والحكمة في ذلك واضحة لأنّه أولاً : أنّ البعض يتصوّر أنّ مثل هذه الأموال بما أنّها لا تقع في دائرة الممتلكات لشخص معيّن بل هي ملك عموم الناس فإنّهم أحرار في تصرفاتهم وتعاملهم بها.
وثانياً : إذا تفشّت الخيانة بالنسبة إلى الأموال العامة وبيت المال فإنّ نظم المجتمع سوف يتلاشى وينهار ، فلا يرى مثل هذا المجتمع البشري وجه السعادة أبداً.
ومن أجل درك أهميّة هذا الموضوع يكفي مطالعة قصّة(الحديدة المحماة) حيث ورد أنّ عقيل رضى الله عنه جاء إلى أخيه علي بن أبي طالب عليهالسلام وطلب منه أن يزيده قليلاً من حصّته وسهمه من بيت المال دون مراعاة ضوابط العدالة والمساواة بين المسلمين على أساس العلاقة الاخويّة بينه وبين الإمام علي عليهالسلام ، فما كان من الإمام علي عليهالسلام إلّا أن أحمى له حديدة وقرّبها منه ، صرخ عقيل من حرارتها فقال له الإمام عليهالسلام : «يا عَقِيلُ أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحماها إِنسانَها لِلَعبِهِ وَتَجِرُّنِي إِلى نارٍ سَجَرَها جَبارُها لِغَضَبِهِ ، أَتَئِنُّ مِنْ الأَذى وَلا أَئِنُّ مِنْ لَظى» (١).
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام في مكان آخر كلاماً مثيراً بالنسبة إلى عطايا عثمان من بيت المال إلى أقربائه وذويه حيث عزم الإمام علي عليهالسلام على ردّها جميعاً إلى بيت المال وقال : «وَاللهِ لَو وَجَدته قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّساءُ ومُلِكَ بِهِ الإِماءُ لَرَدَدتُهُ ، فَإنَّ فِي العَدلِ سَعَةً ، وَمَنْ ضَاقَ عَلَيهِ العَدلُ فَالجَورُ عليه أَضيَقُ» (٢).
__________________
١ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ٢٢٤.
٢ ـ المصدر السابق ، الخطبة ١٥.