تفسير واستنتاج :
إنّ العبارات الواردة في الآيات الكريمة التي تتحدّث عن أهميّة الصدق لا نجد مثيلاً لها في دائرة المفاهيم القرآنية الكريمة ، ومن جملة التعابير الشديدة الواردة في هذه الصفة الأخلاقية هو ما ورد في «الآية الاولى» من الآيات محل البحث والتي جاءت بعد بيان مفصّل عن ظاهرة انحراف النصارى عن دائرة التوحيد وسؤال الله تعالى المسيح يوم القيامة عن سبب هذا الانحراف وتبرئة المسيح لنفسه عن هذه التهمة وحينئذٍ تقول الآية : (قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)
وهذه إشارة إلى أنّ اتصافهم بالصدق في الحياة الدنيا سوف ينفعهم في حياتهم الاخروية يوم القيامة ويكون سبباً لنجاتهم من النار (لا أنّ صدقهم يوم القيامة سيكون سبباً لنجاتهم في ذلك اليوم لأنّه لا تكليف يوم القيامة).
ثمّ تستمر الآية الشريفة في استعراض ما يترتب من النتائج الايجابية والثواب العظيم على هؤلاء الصادقين وتقول : (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
فمن جهة سوف ينالون الجنّة ويتمتعون بعظيم نعيمها ومواهبها الخالدة ، ومن جانب آخر ينالون رضا الله تعالى عنهم ، والتعبير بالفوز العظيم في الآية يدلّ بوضوح على عظمة مقام الصادقين ، ولعلّه لهذا السبب فإنّه بالإمكان جمع كافة أعمال الخير والصلاح وإدخالها في دائرة الصدق ، أو بتعبير آخر أنّ الصدق هو مفتاح لكافّة أعمال الخير والصلاح.
ومن البديهي أنّ الله تعالى إذا رضي عن عبد فإنّه سوف يعطيه ما يريد ، وطبيعي أنّ الإنسان إذا أعطي كل ما يريد فإنّه سيعيش حالة السعادة المطلقة وعليه فإنّ رضى الله تعالى سيتسبب في رضا العبد ، وهذا الرضا المتقابل يعدّ نعمة عظيمة لا تصل إليها أي نعمة اخرى ، وهي موهبة إلهية للصادقين من الناس.
وعبارة (رضي الله عنهم ورضوا عنه) وردت في القرآن الكريم في أربع موارد والتوفيق فيها يبيّن عظمة هذا المفهوم السامي ، ففي أحد الموارد يتحدّث القرآن الكريم عن