القلوب يكون المحافظة عليها أسهل (وإن كانت في هذا الطريق أسهل).
ثالثاً : التسلط على القلوب يزداد يوماً بعد يوم بدون تجشم عناء كبير ، ونفس مدح وثناء الناس كفيل بنشرها ، ولكن جمع وزيادة الأموال يحتاج إلى تجشم العناء الكبير» (١).
ولقد ذكر المرحوم الفيض الكاشاني هذا الكلام لبيان ميل الإنسان لحالة «الجاه والمقام» ، ولكن إذا دققنا النظر فسنرى أنّه يمكن أن نعتبرها من الدوافع «لحب الجاه» ، لانّه عند ما يكون الجاه والمقام سبباً لزيادة الأموال والوصول إلى جميع الأماني والأهواء ، علاوةً على خضوع الناس وتواضعهم ، فمن الطبيعي أن تتوجه الأنظار إليه ، بحيث يمكن القول أنّه لا يكاد أن ينجو منه أحد ، وإن كان بمرتبةٍ أضعف عند بعض الناس ، وقد ورد في كلمات أهل المعرفة والحكمة أنّه : «آخِرُ ما يَخرُجُ مِنْ قُلُوبِ الصُّدِيقِينَ حُبُّ الجاهِ» (٢).
ومن الأسباب الاخرى لحبّ الجاه هو «حبّ الذات» المفرط عند الإنسان ، حيث يتحرّك الإنسان لارضاء هذا الدافع المترسخ في أعماق النفس بكل وسيلة تمكنه من تحصيل ذلك الغرض ، ومنها المقام والمنزلة في واقع المجتمع.
وهناك دوافع اخرى لهذه الحالة النفسية مثل الشعور بالحقارة والدونية ، فالأشخاص الذين ذاقوا مرارة الحقارة وعاشوا الإهانة من الآخرين لأي سبب كان فإنّهم يسعون وعن طريق حبّ الجاه والأماني الكاذبة لتعويض ذلك النقص.
وكذلك الحسد والحقد والانتقام يمكنها أن تكون من الأسباب وعلل حبّ الجاه ، فإنّ من يعيش الحسد تجاه الآخر يتحرّك من موقع طلب الرياسة والمنزلة الاجتماعية ليكون الآخر في موقع أسفل منه في دائرة العلاقات الاجتماعية ويستغل الفرصة لتنفيذ ما في قلبه من الحسد والحقد والانتقام.
والخلاصة أنّ حبّ الجاه من الرذائل المعقدة التي لها جذور ومشتركات مع كثير من الرذائل الاخرى.
__________________
١ ـ المحجة البيضاء ، ج ٦ ، ص ١١٥ ـ ١١٦ مع التلخيص.
٢ ـ بعد التفحص الدقيق لم نعثر على هذهِ الجملة كنص روائي لا في البحار ولا في المستدرك ولا في الوسائل.