أمّا الجدال بالباطل فهو ما ورد في الآيات المذكورة آنفاً من أنّ بعض الأشخاص يتحرّكون في كلامهم ونقاشهم من موقع التعصب والعناد ، وبذلك ينكرون أوضح دلائل الحق من خلال هذا الجدال ، وأمّا (المراء) على وزن حجاب ، فهو بمعنى المحادثة والمكالمة في شيء يكون فيه مرية أي شك وترديد ، ويقول الراغب في مفرداته : إنّها في الأصل من (مريت الناقة) أي حلبتها ، ثم قيلت لكل كلام يكون في موضوعه الشك والترديد (ولعل ذلك يتناسب مع كون الإنسان متردداً في وجود اللّبن في ضرع الناقة أو لا) وذهب بعض إلى تعبير أدق من ذلك حيث يرى أنّ الجذر الأصلي لهذه الكلمة في قولهم (مريت الناقة) هو فيما لو حلبت الناقة قبل ذلك ثم جاء أحدهم بأمل أن يكون من اللبن بقية في الضرع فيحلبها مع هذا الشك والترديد ، وهكذا أطلقت على المناقشة الكلامية في البحوث المقترنة مع الشك.
ولكن هذه المفردة استخدمت بعد ذلك في كل نوع من البحث الكلامي وعن أي موضوع كان محل شك وترديد سواءاً كان بحثاً إيجابّياً وطلباً للحق ، أو كان بدافع من العناد والخصومة واللجاجة.
ومن الموارد التي استخدم فيها المراء بالمعنى الإيجابي ما ورد في الآية الشريفة ٢٢ من سورة الكهف حيث تخاطب النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله حول مجادلته عن أصحاب الكهف مع مخالفية وتقول : (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً)(١).
أمّا الموارد المستعملة في المعنى السلبي فكثيرة ومنها ما تقدم من الآيات أعلاه.
والجدير بالذكر أنّ مفردة (مرية) على وزن جزية وقرية ، بمعنى الترديد في العزم والتصميم ، وبعض ذهب إلى أنّها بمعنى الشك المقترن بقرائن التهمة مثل (الريبة).
الجدال والمراء في الروايات الإسلامية :
نظراً إلى أنّ الجدال بالباطل يتسبب في إخفاء الحق وزيادة عناصر التعصب والخشونة
__________________
١ ـ سورة الكهف ، الآية ٢٢.