مضافاً إلى هذا أنّ الجدال والمراء يذهب وقار الإنسان ويكسر من شخصيته ومروءته بحيث ينفتح عليه لسان الجهلاء إذا اشترك في مجادلة معهم ويتسبب في هتك حرمته والإهانة له ، وإذا جادل العلماء فإنّه يذوق مرارة الهزيمة ويفتضح أمره ويكشف عن جهله وحقارته.
ومن مجموع ما مرّ وكما قرأنا في الروايات السابقة أنّ الجدال والمراء يعدّ أحد الامور الأربعة التي تؤدّي إلى مرض قلب الإنسان وروحه.
فما أحسن بالإنسان أن يتباحث مع الآخرين من موقع المحبّة والصداقة والتواضع وبدافع من طلب الحق والحقيقة حيث يؤدّي ذلك إلى زيادة علمه ومعرفته والاستفادة من علوم الآخرين لإيضاح الحقيقة أكثر وحل المشاكل العلميّة العويصة والقيود المعرفيّة التي بأمكانها أن توصل الإنسان إلى أجواء المعرفة والاطّلاع على المجهول ، وهذا هو الجدال بالحق.
دوافع الجدال والمراء :
ونظراً إلى وجود علاقة وثيقة بين الصفات الرذيلة في واقع الإنسان حيث ترتبط غالباً فيما بينها بعلاقة العلّة والمعلول ، يتّضح من ذلك أنّ هذه الصفة الذميمة ، أي الجدال والمراء والخصومة من موقع الجهالة ، تنشأ من صفات قبيحة اخرى :
١ ـ إنّ من العوامل المهمّة للجدال والمراء هو حالة الكبر والغرور في النفس والتي لا تسمح للإنسان أن يذعن أمام الحق ، بل تدفعه لغرض حفظ التفوّق على الطرف الآخر إلى سلوك طريق الجدال والمراء وإنكار ما يتّضح له أنّه الحق ، ولذلك ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليهالسلام عن آبائه الكرام عليهمالسلام : «إِنّ مِنَ التَّواضُعِ أَنْ يَرضى الرَّجُلُ بِالمَجلِسِ دُونَ المَجلِسِ وَأَن يُسَلِّمَ عِلى مَنْ يَلقى وَأَن يَترُكَ المِراءَ وَإِنْ كانَ مُحِقَّاً وَلا يُحِبَّ أَنْ يُحمَدَ عَلَى التَّقوى» (١).
__________________
١ ـ بحار الانوار ، ج ٢ ، ص ١٣١ ، ح ٢٠.