في واقع الإنسان ونفسه ، ومن الممكن أن تقوم كلمات قليلة بعملية التفرقة بين صديقين حميمين مضى على صداقتهما أربعون سنة ، كما أنّ بناء سد مفيد لخزن المياه يمكن أن يستغرق عشرات السنين ولكنّ تخريبه وانهدامه بواسطة الديناميت والمواد المتفجرة قد لا يستغرق سوى بضع ساعات ، ونختم هذا الكلام بالحديث الشريف عن الإمام الصادق حيث قال : «السَّاعِي قاتِلُ ثَلاثَةٍ ، قاتِلُ نَفسَهِ وَقاتِلُ مَنْ يُسعى بِهِ وَقاتِلُ مَن يُسعى لَهُ» (١).
الكثير من الموارد المشهودة في حالات الامراء والملوك تبيّن أنّ من سعى إليهم بالنميمة ضدّ شخص آخر فإنّه يلاقي حتفه على يدهم ، وبهذه الصورة يكون الساعي أي النّمام قاتل نفسه أمام الله تعالى ، وكذلك الشخص الذي سعى إليه بالوشاية لأجل عدم التحقيق الكافي فَكأنّه قتل بيد ذلك الساعي لأنّه قتل بريئاً.
وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ بعض العلماء وأرباب اللغة ذهبوا إلى إشراك السعاية والنميمة في المعنى في حين أنّه من الممكن وجود فرق بينهما (رغم أنّهما متشابهان جدّاً) فالنميمة هي التفرقة بين صديقين أو بين قريبين أو شريكين ، ولكنّ السعاية هي أن يتحدّث الشخص بعيوب شخص آخر عند كبير من الكبراء ، وبهذا يعرض ذلك الشخص إلى الخطر ، ولذلك وردت السعاية في كثير من الروايات بعنوان السعاية عند السلطان وأمثال ذلك ، ولكن تشابههما في المعنى تسبب في أن يذكران تحت عنوان واحد.
دوافع النميمة :
وهذا الصفة الرذيلة كسائر الصفات الاخرى ترتبط مع الكثير من الرذائل الأخلاقية برابطة وثيقة ، ومنها الحسد ، لأنّ الشخص الحسود لا يتمكن أن يتحمل سعادة الآخرين وراحتهم والمودّة التي تحكم بين الأفراد المتحابين والتعاون والتكاتف الذي يرى في تعاملهما وحياتهما المشتركة ، ويتألم ممّا يرى من روابط المودّة ووشائج المحبّة بين الزوجين والعوائل فيما بينهم ، ولذلك يسعى من خلال النميمة أن يزرع بذور الفرقة وسوء
__________________
١ ـ الخصال ، للشيخ الصدوق ، ٢٢ ، الباب ٣.