تدلّ وتشير إلى هذا المعنى أيضاً وأنّ سيرة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله كانت كذلك في مقابل الجاهلين والمعاندين حيث كان يظهر أمامهم منتهى الصبر وسعة الصدر والتحمّل والحلم ، ولا يتملكه الغضب اطلاقاً مقابل ما يسمعه منهم من كلمات غير مؤدّبة وعبارات غير مسؤولة.
والآية التي تلي هذه الآية تقول : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(١).
يمكن أن تكون إشارة اخرى إلى هذا المعنى أيضاً وهو أنّ نار الغضب ما هي إلّا نزغ من نزغات الشيطان وعلى كل مؤمن أن يستعيذ بالله من هذه الحالة الشائنة.
والشاهد على ذلك ما ورد في الرواية الشريفة في تفسير روح البيان في ذيل هذه الآية وأنّه عند ما نزلت الآية السابقة وأمرت بالعفو والحلم أمام الجاهلين قال النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله : «كَيفَ يا رَبِّ والغَضبُ» (٢).
فنزلت الآية التي بعدها وأمرت النبي أن يستعيذ بالله من شرّ الشيطان الرجيم.
وفي حديث آخر عن الإمام الصادق عليهالسلام يقول : إنّ أجمع آية من آيات القرآن لمكارم الأخلاق هي هذه الآية.
وهو كذلك واقعاً ، لأنّ هذه الآية تتضمّن العفو والصفح أمام جهل الآخرين وتدعو الناس جميعاً لفعل المعروف ، وكذلك مواجهة الجاهلين بالإعراض عنهم وعدم مجادلتهم والتحدّث معهم من موقع الانفعال ، فهذه التعاليم الثلاثة تعد ثلاث برامج مهمّة فيما يتعلّق بالحياة الاجتماعية للإنسان في حركة الحياة بحيث لو تسنى لأفراد المجتمع أن يترجموا هذه الدساتير الثلاثة على أرض الواقع ويجسّدوها في سلوكياتهم وأعمالهم فإنّ أكثر المشكلات الاجتماعية وما يترتب عليها من سلبيات اخرى ستجد طريقها إلى الحل.
ومن مجموع الآيات المذكورة آنفاً يتجلّى لنا أهميّة الحلم كفضيلة أخلاقية سامية ، وكذلك العواقب الوخيمة المترتبة على حالة الغضب الانفعالي والشيطاني.
__________________
١ ـ سورة الاعراف ، الآية ٢٠٠.
٢ ـ تفسير روح البيان ، ج ٣ ، ص ٢٩٨ في ذيل الآية المبحوثة.