تفسير واستنتاج :
تتعرض «الآية الاولى» من الآيات محل البحث إلى الحديث عن مسألة المقابلة بالمثل وجزاء السيئة بالسيئة وأنّ ذلك من حق المؤمنين (لكي لا يرى المعتدي والمجرم نفسه في أمن من العقاب) ثمّ أشارت الآية إلى مسألة العفو والصفح وترك الانتقام وتقول : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ).
ونظراً إلى أنّ سورة الشورى من السور التي نزلت بأجمعها في مكّة المكرّمة ، ونعلم أنّ المسلمين في ذلك الزمان كانوا في دائرة العدوان الواسع الموجّه إليهم من قبل الأعداء المشركين ، ومع ذلك فالقرآن الكريم في الآية ٣٩ من هذه السورة يأمر المسلمين أن لا يستسلموا في مقابل الظلم والعدوان ، وعند ما يواجهون حالة الظلم هذه فعليهم أن يستمدّوا العون من إخوانهم ويتكاتفوا فيما بينهم لردع هذا العدوان ، ثم يشير في الآية ٤٠ إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّه لا ينبغي أن يتحرّكوا من موقع الانتقام والثأر بسبب ما يرونه من العدوان على بعض أصدقائهم ورفاقهم وبالتالي يتجاوزون الحدّ بالردّ بالمثل فيكونون في صف الظالمين أيضاً ، وعليهم كذلك أن يتخذوا العفو والصفح سلوكاً إنسانياً لهم فيما لو لم يترتب عليه آثار سيئة.
أمّا المراد من كلمة (وأصلح) في هذه الآية والتي وردت بعد كلمة العفو ، فالمفسّرون ذهبوا إلى تفسيرات متعددة ، فبعض ذهب إلى أنّ المراد من الإصلاح هو الإصلاح بين الإنسان وربّه ، بينما ذهب البعض الآخر إلى أنّ المراد به الإصلاح بين المظلوم والظالم حتّى لا تتكرّر هذه القضيّة بينهما مرّة اخرى ، وذهب ثالث إلى أنّ المراد به هو إصلاح النفس وتطهيرها من أدران الانتقام وشوائب الغضب والتوتر الذي تفرضه حالات الصراع مع الطرف الآخر ، وذهب بعض إلى أنّ معناه ترك القصاص.
ولا يبعد أن يراد بهذه الكلمة جميع هذه المعاني التي ذكرت في تفسيرها ، وعلى أيّة حال فإنّ الآية تبيّن بوضوح هذه الحقيقة ، وهي أنّ العفو والإصلاح الذي يأتي بعده بإمكانه أن يقلع جذور الحقد من قلوب الناس ، وعبارة (فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) بشكل مطلق وبدون تعيّين