والإهمال والإعراض ، والتجربة العملية تشير إلى أنّ أفضل طريق لإيقاظ هؤلاء من غفلتهم وإطفاء نار غضبهم وصدهم وتعصّبهم هو هذه الطريقة في التعامل معهم من موقع قوّة الشخصية وكبر النفس.
وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه عند ما نزلت هذه الآية الشريفة سأل رسول الله صلىاللهعليهوآله جبرائيل عن ذلك فقال : لا أدري حتّى أسأل العالم ، ثمّ أتاه فقال : «يا مُحِمَّد إِنّ اللهَ يَأَمُرُكَ أَنْ تَعفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ وَتُعطِي مَنْ حَرَمَكَ وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ» (١).
وينطلق الحديث في «الآية الرابعة» ليخاطب جميع المسلمين ويأمرهم بأنّهم إذا أرادوا التعامل بالمثل مع الأعتداء الموجّه من الآخرين ويعاقبوا عليه فعليهم أن لا يتجاوزوا المقدار المشروع وهو مقدار المثل فقط لا أكثر ، ولكنّهم إذا التزموا جانب البر والعفو والصفح فإنّ ذلك أفضل من الحل السابق وتقول الآية : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ).
وقد ورد في الروايات الشريفة أنّ هذه الآية نزلت في معركة احد عند ما نظر النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله إلى جسد عمّه حمزة ، وقد استشهد في ميدان المعركة ومثّل به الأعداء القساة وشقّوا بطنه وأخرجوا كبده وقطعوا اذنه وأنفه ، فلّما رأى النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ذلك تأثّر كثيراً وبعد أن حمد الله وأثنى عليه شكى له حاله وقال : «أَصبِرُ أَصبِرُ» (٢).
والملفت للنظر أنّ الآية التي تليها تقول : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) وهي إشارة إلى أنّ على الإنسان الذي يعيش هذه اللّحظات الأليمة وتستولي على وجوده سحابة من الحزن والهم بسبب ما يواجهه من عدوان القساة وجرائمهم فإنّ عليه أن يلتحف بالصبر والصفح رغم أنّها حالة صعبة وعسيرة لا يستطيعها الإنسان إلّا بمدد من الله تعالى ومعونته.
وبالطبع فإنّ السماح بالردّ بالمثل الوارد في أوّل الآية الشريفة يعود إلى أصل قتل العمد ،
__________________
١ ـ مجمع البيان ، ٢ ، ص ٥١٢.
٢ ـ تفسير العياشي ؛ والدر المنثور ، في ذيل الآية المبحوثة.