وعلى أيّة حال فإنّ هذه الآية توصي بإتّخاذ سلوك العفو والصفح وخاصة في مقابل الأشخاص الذين ينطلق لسانهم دائماً بالكلمات الوقحة واللّامسؤولة ولا يمتنعون عن أي كلام وقح وذميم ، لأنّ الهجر الجميل لا يتحقّق بدون عملية العفو والصفح.
وكما يقول المرحوم الطبرسي في مجمع البيان أنّ هذه الآية بمثابة الخطاب لجميع الدعاة والمبلّغين في كل زمان ومكان أن يلتزموا جانب ضبط النفس في مقابل أذى المخالفين والأعداء ولا يستسلموا أمام حالات الانفعال لموقف الجهلاء وكلماتهم اللّامسؤولة ويقابلوهم بحسن الأخلاق والمداراة والإغماض (١).
وهكذا توضّح الآيات أعلاه والتي تخاطب أحياناً جميع المسلمين وأحياناً اخرى النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله بعنوان قائد الامّة الإسلامية ، المقام السامي للعفو والصفح من بين الفضائل الأخلاقية والمثل الإنسانية العليا في مقابل الحوادث الصعبة وتحدّيات الواقع الاجتماعي غير الملائم ، وتجعل من هذه الفضيلة الأخلاقية أساساً للتعامل الإسلامي بين أفراد المجتمع وحتى في مقابل الأعداء والمخالفين فيما لو لم يترتب على العفو والصفح أثراً سلبياً.
العفو والانتقام في الروايات الإسلامية :
أمّا في دائرة الروايات الإسلامية فنجد لمسألة العفو وكونه من الفضائل الأخلاقية السامية وكذلك ذم الانتقام إنعكاساً كبيراً ، فقد وردت عبارات مثيرة في هذا الباب ومن ذلك :
١ ـ ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «إِذا كانَ يَومَ القَيامَةِ نادى مُنادٍ مَنْ كانَ أَجرُهُ عَلَى اللهِ فَليَدخُلِ الجَنَّةَ فَيُقالُ مَنْ ذا الَّذِي أَجرُهِ عَلَى اللهِ فَيُقالُ
__________________
١ ـ مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٧٩.