وقال ـ سبحانه ـ (وَتِلْكَ) بالإفراد ، للإشعار بأن الخطاب لكل واحد من أهل الجنة ، على سبيل العناية به ، والإعلاء من شأنه.
أى : ويقال لهم يوم القيامة على سبيل التشريف : وهذه الجنة التي أورثتموها بسبب أعمالكم الصالحة في الدنيا ، لكم فيها فاكهة كثيرة ، وثمار شهية لذيذة ، منها تأكلون أكلا هنيئا مريئا.
وعبر بقوله ـ تعالى ـ (أُورِثْتُمُوها) للإشعار بأنها قد صارت إليهم بفضل الله وكرمه ، كما يصير الميراث إلى الوارث.
وقوله (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بيان للأسباب التي أوصلتهم إلى هذه المنازل العالية ، فإن أعمالهم الطيبة التي تقبلها الله ـ تعالى ـ منهم ، جعلتهم ـ بفضله وإحسانه ـ في أعلى الدرجات وأسماها.
وكعادة القرآن الكريم في المقارنة بين الأخيار والأشرار جاء الحديث عن سوء عاقبة الكافرين بعد الحديث عن حسن عاقبة المؤمنين ، فقال ـ تعالى ـ (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ).
أى : إن الكافرين بالحق ، الراسخين في الإجرام ، الكاملين فيه ، سيكونون يوم القيامة ، في عذاب جهنم خالدين فيه خلودا أبديا.
(لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) أى : لا يخفف عنهم العذاب ، فقوله (يُفَتَّرُ) مأخوذ من الفتور بمعنى الهدوء والسكون ، يقال : فترت الحمى ، إذا خفت حدتها ، وفتر المرض إذا سكن قليلا.
(وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) أى : وهم في هذا العذاب في أقصى درجات الحزن والذلة واليأس يقال : أبلس فلان إبلاسا ، إذا سكت عن الكلام سكوتا مصحوبا بالحزن وانقطاع الحجة.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن ما نزل بهؤلاء المجرمين من عذاب كان بسبب كفرهم فقال ـ تعالى ـ : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ).
أى : نحن ما ظلمنا هؤلاء الكافرين بإنزال هذا العذاب المهين الدائم بهم ، ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم ، باستحبابهم العمى على الهدى ، وإيثارهم الغي على الرشد.
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعض أقوالهم بعد نزول العذاب بهم فقال : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ).
والمراد بذلك سؤال مالك خازن النار ، واللام في قوله (لِيَقْضِ) لام الدعاء.
أى : وبعد أن طال العذاب على هؤلاء الكافرين ، نادوا في ذلة واستجداء قائلين لخازن