النار : يا مالك ادع لنا ربك كي يقضى علينا ، بأن يميتنا حتى نستريح من هذا العذاب.
فالمراد بالقضاء هنا : الإهلاك والإماتة ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ ..) أى : فأهلكه.
وفي هذا النداء ما فيه من الكرب والضيق ، حتى إنهم ليتمنون الموت لكي يستريحوا مما هم فيه من عذاب.
وهنا يجيئهم الرد بما يزيدهم غما على غمهم ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) أى : قال مالك في الرد عليهم : إنكم ماكثون فيها بدون موت يريحكم من عذابها ، وبدون حياة تجدون معها الراحة والأمان.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) تأكيد منه ـ تعالى ـ وتقرير لرد مالك عليهم ، ومبين لسبب مكثهم فيها ..
أى : لقد جئناكم ـ أيها الكافرون ـ بالحق على ألسنة رسلنا الذين لم يتركوا وسيلة من الوسائل إلا وسلكوها معكم في الإرشاد إلى طريق الهدى ، ولكن أكثركم كان كارها للحق والهدى ، معرضا عنهما إعراضا كليا ، مصرا على كفره وشركه.
وعبر ـ سبحانه ـ بالأكثر لأن قلة منهم لم تكن كارهة للحق ، ولكنها كانت منقادة لأمر سادتها وكبرائها .. أما الذين كانوا يعرفون الحق ولكن يكرهونه ، فهم الزعماء والكبراء ، لأنهم يرون في اتباعه انتقاصا من شهواتهم وتصادما مع أهوائهم.
ثم وبخهم ـ سبحانه ـ على مكرهم ، وبين أنه مكر بائر خائب فقال : (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ).
و (أَمْ) هنا منقطعة بمعنى بل والهمزة ، والجملة الكريمة كلام مستأنف مسوق لتأنيب المشركين على ما دبروه من كيد للرسول صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين. والإبرام : الإتقان للشيء والإحكام له ، وأصله الفتل المحكم. يقال : أبرم فلان الحبل ، إذا أتقن فتله.
أى : بل أحكموا كيدهم للنبي صلىاللهعليهوسلم ولأصحابه؟ إن كانوا يظنون ذلك فقد خاب ظنهم ، لأن مكرنا أعظم من مكرهم ، وكيدنا يزهق كيدهم ..
فالمقصود بالآية الكريمة الانتقال من عدم إجابة ندائهم ، إلى تأنيبهم على ما كان منهم في الدنيا من مكر بالحق وأهله ، وكيف أن هذا المكر السيئ كانت نتيجته الخسران لهم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ ...) توبيخ آخر لهم على جهلهم وانطماس بصائرهم.