ثم نزه ـ عزوجل ـ ذاته عن أقوال المفترين فقال : (سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ).
وسبحان : اسم مصدر بمعنى التنزيه والتقديس ، منصوب على أنه مفعول مطلق بفعل محذوف ، أى : سبحت الله ـ تعالى ـ تسبيحا ، ونزهته تنزيها ، عن أن يكون له ولد أو شريك ، فهو ـ عزوجل ـ رب السموات ، ورب الأرض رب العرش العظيم ، وهو المتعالي عن كل ما وصفه الكافرون والفاسقون من صفات لا تليق بجلاله.
وجاء هذا التنزيه والتقديس بلفظ (سُبْحانَ) ، لا بلفظ الفعل سبح أو يسبح ، لأن النقص الذي أرادوا إلصاقه به شنيع ، فكان من المناسب أن يؤتى بأقوى لفظ في التنزيه والتقديس.
وما في قوله : (عَمَّا يَصِفُونَ) مصدرية ، أى : عن وصفهم لله الولد ، ويصح أن تكون موصولة والعائد محذوف. أى : عن الذي يصفونه به.
وفي إضافة رب إلى العرش ، مع أنه أعظم الأجرام ، تنبيه على أن جميع المخلوقات تحت ملكوته وربوبيته ، فكيف يتخذ من خلقه ولدا؟.
والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا ..) للافصاح عن شرط مقدر ..
أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا لك ـ أيها الرسول الكريم ـ فاترك هؤلاء الكافرين يخوضون في باطلهم ، وينهمكون في لعبهم ..
(حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) وهو يوم القيامة ، الذي سنحاسبهم فيه حسابا عسيرا ، ونعاقبهم بالعقوبة التي يستحقونها.
فالآية الكريمة تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما لحقه منهم من أذى ، وتهديد لأولئك الكافرين على أقوالهم الباطلة ، وأفعالهم الشنيعة.
ثم أكد ـ سبحانه ـ أنه هو الإله الحق ، وأن كل ما عداه باطل ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ ، وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ).
والجار والمجرور في قوله (فِي السَّماءِ) و (فِي الْأَرْضِ) متعلق بلفظ (إِلهٌ) ، لأنه بمعنى معبود أو بمعنى مستحق للعبادة ، وهذا اللفظ الكريم خبر مبتدأ محذوف ، أى : هو إله ..
أى : وهو ـ سبحانه ـ وحده المعبود بحق في السماء ، والمعبود بحق في الأرض ، لا إله غيره ، ولا رب سواه ، وهو ـ عزوجل ـ (الْحَكِيمُ) في كل أقواله وأفعاله (الْعَلِيمُ) بكل شيء في هذا الوجود.