أى : والله لئن سألت ـ يا محمد ـ هؤلاء الكافرين عمن خلقهم وخلق من يعبدونهم من دون الله ، ليقولن : الله هو الخالق لكل المخلوقات.
وقوله : (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) استفهام قصد به التعجب من أحوالهم المتناقضة أى : ما دمتم قد اعترفتم بأن الخالق لكم ولغيركم هو الله ، فكيف انصرفتم عن عبادة الله إلى عبادة غيره. وكيف أشركتم معه غيره في ذلك مع اعترافكم بأنه ـ سبحانه ـ هو الخالق لكل شيء.
يقال : أفك فلان فلانا يأفك إفكا ـ من باب طرب وعلم ـ إذا صرفه وقلبه عن الشيء. وسميت قرى قوم لوط بالمؤتفكات لأن جبريل جعل عاليها سافلها بأمر الله ـ تعالى ـ.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما تضرع به الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى ربه فقال : (وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ ..).
والقيل ، والقال ، والقول ... كلها مصادر بمعنى واحد. والضمير يعود إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم وقراءة الجمهور بفتح اللام وضم الهاء ، على أنه معطوف على قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) ويكون مقول القول : (يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ).
والمعنى : أيحسب هؤلاء الكافرون الجاهلون ، أننا لا نسمع سرهم ونجواهم ، ونسمع تضرع رسولنا إلينا بقوله : (يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ)؟
إن كانوا يحسبون ذلك الحسبان ، فقد كذبوا وخسروا ، لأننا نعلم ذلك وغيره علما تاما. ويصح أن يكون قوله ـ تعالى ـ (وَقِيلِهِ) منصوبا بفعل محذوف والتقدير : ويعلم قيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ..
وقرأ عاصم وحمزة (وَقِيلِهِ) بكسر اللام والهاء ، عطفا على الساعة أى : وعنده ـ سبحانه ـ علم الساعة ، وعلم قول الرسول صلىاللهعليهوسلم يا رب إن هؤلاء المشركين قوم لا يؤمنون.
والتعبير بالنداء بلفظ الرب ، يشعر بالقرب ، ويوحى بالإجابة ويفيد كمال التضرع ..
كما أن التعبير بقوله (قَوْمٌ) يشير إلى أن كفرهم كان كفرا جماعيا ، لا كفرا فرديا.
وقوله ـ تعالى ـ : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) إرشاد وتسلية من الله ـ تعالى ـ لنبيه. أى : فأعرض عنهم ، ولا تطمع في إيمانهم لشدة كفرهم ، (وَقُلْ سَلامٌ) أى : وقل لهم : أمرى وشأنى الآن مسالمتكم ومتاركتكم .. (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) سوء عاقبة كفرهم وإصرارهم على باطلهم.