والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، ولتسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم وأمره بالصبر حتى يحكم الله بينه وبينهم.
والارتقاب : الانتظار ، وأكثر ما يستعمل الارتقاب في الأمر المكروه والمراد باليوم مطلق الوقت ، وهو مفعول به لارتقب.
قال الآلوسى ما ملخصه : «والمراد بالسماء جهة العلو ، وإسناد الإتيان بذلك إليها من قبيل الإسناد إلى السبب ، لأنه يحصل بعدم إمطارها ...».
أى : فارتقب يوم تأتى السماء بجدب ومجاعة ، فإن الجائع جدا يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان ، وهي ظلمة تعرض للبصر لضعفه .. وإرادة الجدب والمجاعة منه مجاز ، من باب ذكر المسبب وإرادة السبب .. وبعض العرب يسمى الشر الغالب دخانا ، ووجه ذلك أن الدخان مما يتأذى به فأطلق على كل مؤذ يشبهه ، وأريد به هنا الجدب ، ومعناه الحقيقي معروف» (١).
وللمفسرين في معنى هذه الآية اتجاهات أولها : ما ورد في الحديث الصحيح من أن مشركي مكة ، لما أصروا على كفرهم وعلى إعراضهم عن الحق ، دعا عليهم الرسول صلىاللهعليهوسلم بقوله : «اللهم أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف ..» فأصابهم القحط والبلاء والجوع ..
وكنى عن ذلك بالدخان ، لأن العرب يسمون الشر الغالب بالدخان ، فيقولون : كان بيننا أمر ارتفع له دخان ..
والسبب فيه أن الإنسان إذا اشتد ضعفه ، أظلمت عيناه ، فيرى الدنيا كالمملوءة بالدخان.
روى البخاري وغيره عن ابن مسعود قال : إن قريشا لما أبطأت عن الإسلام ، واستعصت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا عليهم بسنين كسنى يوسف ، فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان ...
فقيل : يا رسول الله ، استسق الله لمضر فإنها قد هلكت ، فاستسقى لهم فسقوا ، فأنزل الله : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ).
قال ابن كثير : «وهذا الحديث مخرج في الصحيحين ، ورواه الإمام أحمد في مسنده ، وهو عند الترمذي والنسائي في تفسيرهما ، وعند ابن جرير وابن أبى حاتم من طرق متعددة» (٢).
وعلى هذا الرأى يكون الدخان قد وقع فعلا ، بمعنى أن المشركين قد أصابهم بلاء شديد في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم. ثم كشف الله عنهم منه ما كشف ببركة دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٥ ص ١١٧.
(٢) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٣٣.