أما الاتجاه الثاني فيرى أصحابه ، أن المراد بالدخان ، ما يكون قبل يوم القيامة من دخان يسبق ذلك ، كعلامة من علامات البعث والنشور ..
واستدل أصحاب هذا الاتجاه ، بأحاديث ذكرها المفسرون.
قال ابن كثير : «وقال آخرون : لم يمض الدخان بعد ، بل هو من أمارات الساعة ، كما تقدم من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري. قال : أشرف علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غرفته ونحن نتذاكر الساعة ، فقال : «لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، والدابة ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وخروج عيسى ابن مريم ، والدجال وثلاثة خسوف : خسوف بالمشرق وخسوف بالمغرب ، وخسوف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس ـ أو تحشر الناس ـ تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل حيث قالوا».
ثم ساق ابن كثير بعد ذلك أحاديث أخرى ، وقال في نهايتها : والظاهر أن ذلك يوم القيامة» (١).
ويبدو لنا أن الاتجاه الأول أقرب إلى سياق الآيات التي ذكرها الله ـ تعالى ـ في هذه السورة ، ولا يتعارض ذلك مع كون ظهور الدخان علامة من علامات قرب يوم القيامة ، كما جاء في حديث حذيفة بن أسيد الغفاري ، الذي ذكره ابن كثير ـ رحمهالله ـ وقال في شأنه : تفرد بإخراجه مسلم في صحيحه.
ومن المفسرين الذين رجحوا الاتجاه الأول الإمام الطبري ، فقد قال بعد أن ساق هذين القولين : وأولى القولين بالصواب في ذلك قول ابن مسعود ، من أن الدخان الذي أمر الله ـ تعالى ـ نبيه أن يرتقبه ، هو ما أصاب قومه من الجهد بدعائه عليهم.
وإنما قلت القول الذي قاله ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ هو أولى بتأويل الآية ، لأن الله ـ تعالى ـ توعد بالدخان مشركي قريش ... ولأن الأخبار قد تظاهرت بأن ذلك كائن والمعنى : فانتظر يا محمد لمشركي قومك ، يوم تأتيهم السماء من البلاء الذي يحل بهم ، بمثل الدخان المبين» (٢).
ومنهم ـ أيضا ـ الإمام الآلوسى ، فقد قال ـ رحمهالله ـ : هذا ، والأظهر حمل الدخان على ما روى عن ابن مسعود ، لأنه أنسب بالسياق ، لما أنه في كفار قريش ، وبيان سوء حالهم» (٣).
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٣٣.
(٢) راجع تفسير ابن جرير ج ٢٥ ص ٦٨.
(٣) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٥ ص ١١٨.