(وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً) أى : ولا يدفع عنهم ما كسبوه في الدنيا من أموال شيئا من العذاب ، ولو كان هذا الشيء يسيرا ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً ، وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ).
فقوله (وَلا يُغْنِي) من الغناء ـ بفتح الغين ـ بمعنى الدفع والنفع ، ومنه قول الشاعر :
وقل غناء عنك مال جمعته |
|
إذا صار ميراثا وواراك لاحد |
(وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) أى : ولا يغنى عنهم ـ أيضا ـ ما اتخذوه من دون الله ـ تعالى ـ من معبودات باطلة.
و (ما) في قوله (ما كَسَبُوا) و (مَا اتَّخَذُوا) موصولة والعائد محذوف. ويصح أن تكون في الموضعين مصدرية.
(وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) لا يعلم مقدار شدته وهوله إلا الله ـ تعالى ـ وحده.
والإشارة في قوله ـ تعالى ـ (هذا هُدىً) تعود إلى القرآن الكريم. والهدى مصدر هداه إلى الشيء إذا دله وأرشده إليه.
أى. هذا القرآن الذي أوحيناه إليك يا محمد ، في أعلى درجات الهداية وأكملها.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) الدالة على وجوب إخلاص العبادة له.
(لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) والرجز : يطلق على أشد أنواع العذاب ..
أى : لهم أشد أنواع العذاب ، وأكثره إيلاما وإهانة.
وجمهور القراء قرأ (أَلِيمٌ) بالخفض على أنه نعت لقوله (رِجْزٍ) وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم (أَلِيمٌ) بالرفع ، على أنه صفة لعذاب.
وهذه الآيات تهديد لكل من كانت فيه هذه الصفات التي منها : كثرة الكذب ، وكثرة اقتراف السيئات ، والإصرار على الباطل .. ويدخل في هذا التهديد دخولا أوليا ، النضر بن الحارث ، الذي كان يشترى أحاديث الأعاجم ليشغل بها الناس عن سماع القرآن ، والذي قيل إن هذه الآيات قد نزلت فيه.
ثم انتقلت السورة الكريمة بعد هذا التهديد الشديد للأفاكين .. إلى بيان جانب من النعم التي أنعم بها ـ سبحانه ـ على عباده ، ودعت المؤمنين إلى الصبر والصفح ، فقال ـ تعالى ـ :