إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٢٦)
و (أَمْ) في قوله ـ تعالى ـ : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) منقطعة ، وتقدر ببل والهمزة ، وما فيها من معنى بل للانتقال من البيان الأول إلى الثاني ، والهمزة لإنكار الحسبان.
والاجتراح : الاكتساب ، ومنه الجارحة للأعضاء التي يكتسب بها كالأيدى. ويقال : فلان جارحة أهله ، أى : هو الذي يكتسب لهم أرزاقهم.
وحسب : فعل ماض ، والذين فاعله ، وجملة (أَنْ نَجْعَلَهُمْ) ساد مسد المفعولين.
والمعنى : بل أحسب الذين اكتسبوا ما يسوء من الكفر والمعاصي ، أن نجعلهم متساوين مع الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحات في دار الدنيا أو في الدار الآخرة؟
كلا!! لا يستوون فيهما ، فإن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يحيون في الدنيا حياة طيبة لا مكان فيها للهموم والأحقاد والإحن ببركة إيمانهم ، وفي الآخرة ينالون رضا الله ـ تعالى ـ وحسن ثوابه.
أما الذين اجترحوا السيئات فهم في شقاء في الدنيا وفي الآخرة.
قال الشوكانى قرأ الجمهور (سَواءً) بالرفع على أنه خبر مقدم. والمبتدأ محياهم ومماتهم. والمعنى إنكار حسبانهم أن محياهم ومماتهم سواء.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص (سَواءً) بالنصب على أنه حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور في قوله : (كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أو على أنه مفعول ثان لحسب (١).
وقوله : (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أى بئس حكما حكمهم هذا الذي زعموا فيه تسويتنا بين
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٥ ص ٨.