الذين اجترحوا السيئات ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات.
فالمقصود بهذه الجملة الكريمة ، توبيخهم على أحكامهم الباطلة ، وأفكارهم الفاسدة.
قال الآلوسى : قوله : (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أى : ساء حكمهم هذا ، وهو الحكم بالتساوي ، فما مصدرية ، والكلام إخبار عن قبح حكمهم المعهود.
ويجوز أن يكون لإنشاء ذمهم على أن (ساءَ) بمعنى بئس ، فتكون كلمة (ما) نكرة موصوفة ، وقعت تمييزا مفسرا لضمير الفاعل المبهم والمخصوص بالذم محذوف أى : بئس شيئا حكموا به ذلك (١).
ثم أكد ـ سبحانه ـ عدم المساواة بين الفريقين فقال : (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أى خلقهما خلقا ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل.
وقوله (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) معطوف على مقدر يفهم من سياق الكلام.
أى : خلقهما بالحق ليبرهن بذلك على وحدانيته وقدرته. ولتجزى كل نفس يوم القيامة بسبب ما اكتسبته من أعمال.
ويصح أن يكون معطوفا على قوله (بِالْحَقِ). أى : خلقهما بالحق المقتضى للعدل بين العباد ، ولتجزى كل نفس بما كسبت ، فهو من عطف المسبب على السبب.
(وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أى : الخلائق المدلول عليهم بقوله (كُلُّ نَفْسٍ) لا يلحقهم شيء من الظلم يوم القيامة ، لأن الله ـ تعالى ـ قد كتب على نفسه أنه لا يظلم أحدا.
والاستفهام في قوله ـ سبحانه ـ : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) للتعجب من حال هؤلاء المشركين ، ولتسلية النبي صلىاللهعليهوسلم عما أصابه منهم من أذى.
والمراد بهواه : ما يستحسنه من تصرفات ، حتى ولو كانت تلك التصرفات في نهاية القبح والشناعة والجهالة.
والمعنى : انظر وتأمل ـ أيها الرسول الكريم ـ في أحوال هؤلاء الكافرين فإنك لن ترى جهالة كجهالاتهم ، لأنهم إذا حسن لهم هواهم شيئا اتخذوه إلها لهم ، مهما كان قبح تصرفهم ، وانحطاط تفكيرهم ، وخضعوا له كما يخضع العابد لمعبوده.
قال ابن عباس : كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا. فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٥ ص ١٥١.