وقوله (حُجَّتَهُمْ) ـ بالنصب ـ خبر كان ، واسمها قوله : (إِلَّا أَنْ قالُوا).
وسمى ـ سبحانه ـ أقوالهم مع بطلانها حجة ، على سبيل التهكم بهم ، والاستهزاء بهذه الأقوال.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم سمى قولهم حجة وليس بحجة؟
قلت : لأنهم أدلوا به كما يدلى المحتج بحجته ، وساقوه مساقها ، فسميت حجة على سبيل التهكم ، أو لأنه في حسبانهم وتقديرهم حجة ، أو لأنه في أسلوب قول القائل :
تحية بينهم ضرب وجيع .. كأنه قيل : ما كان حجتهم إلا ما ليس بحجة.
والمراد : نفى أن تكون لهم حجة ألبتة (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الآية بأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يرد عليهم بما يخرس ألسنتهم فقال : (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ) أى : وأنتم في الدنيا (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انقضاء آجالكم في الدنيا ، (ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) بأن يعيدكم إلى الحياة مرة أخرى للحساب والجزاء ، وهذا اليوم وهو يوم القيامة آت (لا رَيْبَ فِيهِ) ولا شك في حدوثه.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك ، لاستيلاء الهوى والشيطان على قلوبهم ، ولو عقلوا لعلموا أن من أنشأ الإنسان من العدم ، قادر على إعادته بعد موته من باب أولى.
ثم أخذت السورة الكريمة في أواخرها في تذكير الناس بأهوال يوم القيامة لكي يستعدوا للقاء هذا اليوم بالإيمان والعمل الصالح ، فذكرتهم بأحوال الأخيار والأشرار في هذا اليوم العصيب ، وبينت لهم أن الندم لن ينفع في هذا اليوم .. فقال ـ تعالى ـ :
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٧ ص ٢٩١.