لأنه لا يستطيع أحد أن يعلم وقت قيامها ، أو يتصرف فيه ، إلا هو ـ عزوجل ـ وفي اليوم الذي تقوم فيه الساعة يخسر المبطلون ، أنفسهم وأهليهم ، ويصيرون في حال شديدة من الهم والغم والكرب ، لأنهم كذبوا بهذا اليوم ، وكفروا به وقالوا : (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ).
قال الشوكانى وقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) أى : المكذبون الكافرون المتعلقون بالأباطيل ، يظهر في ذلك اليوم خسرانهم لأنهم يصيرون إلى النار ، والعامل في (يَوْمَ) هو الفعل (يَخْسَرُ) ويومئذ بدل منه ، والتنوين للعوض عن المضاف إليه المدلول عليه بما أضيف إليه المبدل منه ، فيكون التقدير : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) يوم تقوم الساعة ، فيكون بدلا توكيديا.
والأحسن أن يكون العامل في (يَوْمَ) هو (مُلْكُ) ـ أى : ما يدل عليه هذا اللفظ.
أى : ولله ـ تعالى ـ ملك السموات والأرض ـ وملك يوم تقوم الساعة ، ويكون قوله (يَوْمَئِذٍ) معمولا ليخسر .. (١).
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ) (٢).
ثم يعرض ـ سبحانه ـ مشهدا من مشاهد هذا اليوم الهائل الشديد فيقول : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً).
وقوله : ـ سبحانه ـ : (جاثِيَةً) من الجثو وهو الجلوس على الركب بتحفز وترقب وخوف.
يقال : جثا فلان على ركبتيه يجثو جثوا وجثيا ، إذا برك على ركبتيه وأنامله في حالة تحفز ، كأنه منتظر لما يكرهه.
أى : وترى ـ أيها العاقل ـ في هذا اليوم الذي تشيب من هوله الولدان ، كل أمة من الأمم متميزة عن غيرها ، وجاثية على ركبها ، مترقبة لمصيرها في تلهف وخوف فالجملة الكريمة تصور أهوال هذا اليوم ، وأحوال الناس فيه ، تصويرا بليغا مؤثرا ، يبعث على الخوف الشديد من هذا اليوم ، وعلى تقديم العمل الصالح الذي ينفع صاحبه (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً ، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ).
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٥ ص ١٠.
(٢) سورة غافر الآية ٨٧.