الذين يعملون بتلك الوصايا ، فقال ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا ، وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ ، وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ).
كما بينت السورة الكريمة سوء عاقبة الكافرين ، الذين أعرضوا عن دعوة الحق ، قال ـ تعالى ـ : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ، أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا ، وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها ، فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ).
٥ ـ ثم حذرت السورة المشركين من الإصرار على شركهم ، وذكرتهم بما حل بالمشركين من قبلهم كقوم عاد وثمود ... وبينت لهم أن هؤلاء الكافرين لم تغن عنهم أموالهم ولا قوتهم شيئا ، عند ما حاق بهم عذاب الله ـ تعالى ـ ، فقال ـ سبحانه ـ : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ ، وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً ، فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ ، إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ ، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى ، وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
٦ ـ ثم أخذت السورة الكريمة في أواخرها ، في تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم وفي إدخال السرور على قلبه بأن ذكرته بحضور نفر من الجن إليه ، للاستماع إلى القرآن الكريم ، وكيف أنهم عند ما استمعوا إليه أوصى بعضهم بعضا بالإنصات وحسن الاستماع ، وكيف أنهم عند ما عادوا إلى قومهم دعوهم إلى الإيمان بالحق الذي استمعوا إليه ، وبالنبي الذي جاء به ، فقال ـ تعالى ـ حكاية عنهم : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ ، يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ).
ثم ختمت السورة الكريمة بأمره صلىاللهعليهوسلم بالصبر على أذى قومه ، فقال ـ تعالى ـ : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ. كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ ، بَلاغٌ ، فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ).
٧ ـ والمتأمل في سورة «الأحقاف» يراها ، قد أقامت الأدلة على وحدانية الله ـ تعالى ـ ، وعلى كمال قدرته. وعلى صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن هذا القرآن من عند الله ، وعلى أن يوم القيامة حق.
أقامت الأدلة على كل ذلك ، بأبلغ الأساليب وأحكمها ، ومن ذلك أنها ساقت ألوانا من مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ في خلقه ، كما ذكرت شهادة شاهد من بنى إسرائيل على أن الإسلام هو الدين الحق ، كما طوفت بالناس في أعماق التاريخ لتطلعهم على مصارع الغابرين ، الذين أعرضوا عن دعوة الحق ، كما عقدت عدة مقارنات بين مصير الأخيار ومصير الأشرار ..