ثم بين ـ سبحانه ـ موقف المشركين من خالقهم فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) والإنذار : الإعلام المقترن بتهديد ، فكل إنذار إعلام ، وليس كل إعلام إنذار.
و «ما» في قوله : (عَمَّا أُنْذِرُوا) يصح أن تكون موصولة والعائد محذوف ، ويصح أن تكون مصدرية.
والإعراض عن الشيء : الصدود عنه ، وعدم الإقبال عليه ، وأصله من العرض ـ بضم العين ـ وهو الجانب ، لأن المعرض عن الشيء يعطيه جانب عنقه ، مبتعدا عنه.
أى : نحن الذين خلقنا بقدرتنا وحكمتنا ، السموات والأرض وما بينهما ، بالحق الذي اقتضته مشيئتنا ، وبتقدير أمد معين ، عند انتهائه «تبدل الأرض غير الأرض والسموات ..» ومع كل هذه الدلائل الساطعة الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، فالذين كفروا بالحق ، عن الذي أنذروه من الحساب والجزاء معرضون ، وفي طغيانهم يعمهون ..
فالآية الكريمة قد وضحت أن هذا الكون لم يخلقه الله ـ تعالى ـ عبثا ، وأن لهذا الكون نهاية ينتهى عندها ، وأن الكافرين ـ لجهلهم وعنادهم ـ لم يستجيبوا لمن دعاهم إلى إخلاص العبادة لله الواحد القهار ، ولم يستعدوا لاستقبال يوم القيامة بالإيمان والعمل الصالح.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يوبخ هؤلاء الكافرين على جهالاتهم وعنادهم ، فقال : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ، أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ، أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ...).
وقوله : (أَرَأَيْتُمْ) بمعنى أخبرونى ، ومفعوله الأول قوله (ما تَدْعُونَ) وجمله «ماذا خلقوا» سدت مسد مفعوله الثاني.
وجملة : «أرونى» مؤكدة لقوله : (أَرَأَيْتُمْ) لأنها ـ أيضا ـ بمعنى أخبرونى.
والمعنى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء المشركين ـ على سبيل التوبيخ والتأنيب ـ : أخبرونى عن هذه الآلهة التي تعبدونها من دول الله ـ تعالى ـ ، أى شيء في الأرض أوجدته هذه الآلهة؟ إنها قطعا لم تخلق شيئا من الأرض. فالأمر في قوله (أَرُونِي) للتعجيز والتبكيت.
و «أم» في قوله (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) للإضراب عن أن يكونوا قد خلقوا شيئا ، إلى بيان أنهم لا مشاركة لهم مع الله في خلق السموات أو الأرض أو غيرهما. فقوله : (شِرْكٌ) بمعنى مشاركة ..
أى : بل ألهم مشاركة من الله ـ تعالى ـ في خلق شيء من السموات؟ كلا ، لا مشاركة