قال الآلوسى : قوله : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ). أى : يعذبون بها ، من قولهم : عرض بنو فلان على السيف ، إذا قتلوا به ، وهو مجاز شائع .. (١).
وقوله : (أَذْهَبْتُمْ) .. إلخ مقول لقول محذوف. وهذا اللفظ قرأه ابن كثير وابن عامر أأذهبتم بهمزتين على الاستفهام الذي هو للتقريع والتوبيخ ، وقرأه الجمهور (أَذْهَبْتُمْ) بهمزة واحدة على الخبر من غير استفهام.
أى : واذكر ـ أيها العاقل ـ لتعتبر وتتعظ ، يوم يقف الذين كفروا على النار ، فيرون سعيرها ثم يلقون فيها ، ويقال لهم ـ على سبيل الزجر والتأنيب ـ (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) أى : ضيعتم وأتلفتم الطيبات التي أنعم الله بها عليكم في حياتكم الدنيا ، حيث (اسْتَمْتَعْتُمْ بِها) استمتاعا دنيويا دون أن تدخروا للآخرة منها شيئا ..
(فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) أى : تجزون عذاب الهون والخزي والذل.
(بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) أى : بسبب استكباركم في الأرض بغير الحق ..
(وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) أى : وبسبب خروجكم في الدنيا عن طاعة الله ـ تعالى ـ ، وعن هدى أنبيائه.
وقيد ـ سبحانه ـ استكبارهم في الأرض بكونه بغير الحق ، ليسجل عليهم هذه الرذيلة ، وليبين أنهم قوم دينهم التكبر والغرور وإيثار اتباع الباطل على الحق.
قال الجمل : والحاصل أنه ـ تعالى ـ علل ذلك العذاب بأمرين :
أحدهما : الاستكبار والترفع وهو ذنب القلب.
والثاني : الفسق وهو ذنب الجوارح ، وقدم الأول على الثاني ، لأن أحوال القلب أعظم وقعا من أعمال الجوارح (٢).
ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك إلى الحديث عن مصارع الغابرين الذين كانوا أشد قوة وأكثر جمعا من مشركي قريش ، لكي يعتبروا بهم ، ويقلعوا عن كفرهم ، حتى لا يكون مصيرهم كمصير من سبقوهم في الكفر والطغيان ، فقال ـ سبحانه ـ :
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ٢٢.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ١٣٢.