وقد وردت قصته معهم في سور متعددة ، منها : سورة الأعراف ، وسورة هود ، وسورة الشعراء ، وسورة الحاقة ..
قال القرطبي ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ) هو هود بن عبد الله ابن رباح ، كان أخاهم في النسب لا في الدين ، إذ أنذر قومه بالأحقاف ، والأحقاف : ديار عاد .. وهي جمع حقف ـ بكسر الحاء ـ ، وهو ما استطال من الرمل العظيم واعوج ، ولم يبلغ أن يكون جبلا .. (١).
ويغلب على الظن أن مساكنهم كانت على مرتفعات من الأرض في شمال حضر موت ، وعلى مقربة من المكان الذي يسمى الآن بالرّبع الخالي غربي عمان ..
والمعنى : واذكر ـ أيها الرسول الكريم ـ لقومك ليعتبروا ويتعظوا قصة هود ـ عليهالسلام ـ وقت أن أنذر قومه ، وهم يعيشون بتلك الأماكن المرتفعة المسماة بالأحقاف.
وقوله : (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) جملة حالية في محل نصب.
أى : جاء هود إلى قومه فأمرهم بإخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ وحده ، وخوفهم من سوء عاقبة مخالفته ، والحال أنه قد أخبرهم بأن الرسل الذين سبقوه ، والذين يأتون من بعده ، كليهم قد بعثهم الله ـ تعالى ـ لهداية أقوامهم ، ولعبادته ـ سبحانه ـ وحده.
فالنذر : جمع نذير ، والمراد بهم الرسل الذين يخوفون أقوامهم من سوء عاقبة الإشراك مع الله ـ تعالى ـ آلهة أخرى في العبادة.
والمراد بقوله : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) الرسل السابقون عليه ، والمتأخرون عنه.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ جانبا من نصائح هود لقومه فقال : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ ، إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
أى : أنذرهم قائلا لهم : إنى أحذركم من عبادة أحد سوى الله ـ تعالى ـ وآمركم بإخلاص العبادة له ـ تعالى ـ وحده ، لأنى أخاف عليكم عذاب يوم هائل عظيم ، وهو يوم القيامة ، (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
فأنت ترى أن هودا ـ عليهالسلام ـ بجانب أنه قد أمر قومه بما يسعدهم ، فإنه قد بين لهم ـ أيضا ـ أنه ما حمله على هذا الأمر إلا خوفه عليهم ، وحرصه على نجاتهم من عذاب يوم القيامة.
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٢٠٣.