التفسير. وسمى السحاب عارضا لأنه يبدو في عرض السماء. قال الجوهري : العارض : السحاب يعترض في الأفق .. (١).
والمعنى : وأتى العذاب الذي استعجله قوم هود إليهم ، فلما رأوه بأعينهم ، متمثلا في سحاب يظهر في أفق السماء ، ومتجها نحو أوديتهم ومساكنهم.
(قالُوا) وهم يجهلون أنه العذاب الذي استعجلوه (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) أى : هذا سحاب ننتظر من ورائه المطر الذي ينفعنا ..
قيل : إنها حبس عنهم المطر لفترة طويلة ، فلما رأوا السحاب في أفق السماء ، استبشروا وفرحوا وقالوا : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا).
وهنا جاءهم الرد على لسان هود بأمر ربه ، فقال لهم : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ ، رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ ...).
أى : قال لهم هود ـ عليهالسلام ـ ليس الأمر كما توقعتم من أن هذا العارض سحاب تنزل منه الأمطار عليكم ، بل الحق أن هذا العارض هو العذاب الذي استعجلتم نزوله ، وهو يتمثل في ريح عظيمة تحمل العذاب المهلك الأليم لكم.
فقوله : (رِيحٌ) يصح أن يكون بدلا من «ما» أو من «هو» في قوله (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) كما يصح أن يكون خبر المبتدأ محذوف ، وجملة (فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) صفة لقوله : (رِيحٌ).
ثم وصف ـ سبحانه ـ هذا الريح بصفة أخرى فقال : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها ..). أى : هذه الريح التي أرسلها الله ـ تعالى ـ عليهم ، من صفاتها أنها تدمر وتهلك كل شيء مرت به يتعلق بهؤلاء الظالمين من نفس أو مال أو غيرهما ..
والتعبير بقوله : (بِأَمْرِ رَبِّها) لبيان أنها لم تأتهم من ذاتها ، وإنما أتتهم بأمر الله ـ تعالى ـ وبقضائه وبمشيئته.
والفاء في قوله : (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) فصيحة ـ أيضا ـ. أى : هذه الريح أرسلناها عليهم فدمرتهم ، فصار الناظر إليهم لا يرى شيئا من آثارهم سوى مساكنهم ، لتكون هذه المساكن عبرة لغيرهم.
قال الجمل : وقوله : (لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) قرأ حمزة وعاصم (لا يُرى) بضم الياء
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٥ ص ٢٣.